مقالات صحفية


مشروع إقليم الساحل الغربي: ازدواجية الخطاب ومخاطر الانفصام الوطني

السبت - 03 مايو 2025 - الساعة 02:12 م

د. عبدالقادر لطف الخلي
الكاتب: د. عبدالقادر لطف الخلي - ارشيف الكاتب



وسط تسارع الأحداث في المشهد اليمني، تتصاعد من جديد نغمة ما يسمى بـ"إقليم ساحل البحر الأحمر"، وهي تسمية ظاهرها إداري وتنموي، لكن باطنها يكشف عن أجندات تنذر بتفتيت إضافي لوحدة الكيان الجمهوري اليمني، عبر زرع الشكوك والتوجس داخل معسكر الشرعية، بما يخدم – من حيث النتيجة – المشروع الحوثي بشكل مباشر أو غير مباشر.

أصبح واضحاً أن هناك تياراً داخل الصف الجمهوري يتصرف بذهنيّة مشوشة، ويعيش حالة من الانفصام السياسي، حين يُظهر عداءه الشديد للعميد طارق محمد عبدالله صالح، لمجرد أنه يحظى بدعم إماراتي، أو لأنه يبني مشروعاً سياسياً وعسكرياً وتنموياً على الأرض، انطلاقاً من مدينة المخا. هذا التيار لا يتردد في الترويج لفكرة أن طارق يسعى للانفصال أو إقامة كيان خاص، متناسين أن الرجل أحد أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، وأن ما يقوم به – على علاته – يظل ضمن سياق معركة استعادة الدولة.

ما هو لافت ومقلق في آن، أن هذه الأصوات التي تدّعي الدفاع عن وحدة اليمن، لا تخفي تمنيها الضمني ألا تسقط الحديدة بيد طارق، بل يفضلون – ضمناً – أن تبقى في قبضة الحوثي، فقط كي لا تتحرر على يد من لا يتفقون معه سياسياً. هذا النوع من المواقف ليس سوى خيانة مغلفة بالشعارات، ومجرد غلاف لتصفية حسابات شخصية أو أيديولوجية على حساب الدم اليمني والمصلحة الوطنية.

الأكثر مرارة أن من يهاجم طارق صالح بسبب علاقته بالإمارات، هم أنفسهم من ارتبطوا لعقود بالسعودية، منذ ستينيات القرن الماضي، ويعيشون حتى اللحظة تحت عباءتها السياسية والمالية، بل منهم من يحاول إعادة إنتاج ولاءات جديدة مع قطر أو تركيا، وكأن التبعية قدر لا فكاك منه لليمنيين، أو كأن الوطنية أصبحت تُقاس وفقاً لاسم الدولة الراعية لا بحجم الفعل على الأرض.

إن المشروع الحوثي يتقدم كلما تعمقت هذه المناكفات داخل مكونات الشرعية. فبينما يبني الحوثي دولته المركزية بأدوات قمعية وأجهزة أمنية وإعلام موحد، تتآكل الشرعية بفعل المكايدات، ويضعف مشروع الدولة تحت وطأة "معارضة المعارضة". لقد تحوّلت النخب السياسية، لا سيما في بعض الأحزاب التي كانت تُفترض فيها المسؤولية، إلى أدوات لتعطيل الجبهة الداخلية الجمهورية، بل وأحياناً لمساندة الرواية الحوثية بشكل غير مباشر.

ما يحدث في المخا اليوم ليس مجرد خلاف على صلاحيات أو مشاريع، بل هو تجلٍّ لصراع الهوية داخل معسكر الشرعية نفسه: هل نريد استعادة دولة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى؟ أم نريد أن نُفصِّل الجمهورية على مقاس أهوائنا ومصالحنا وشركائنا الإقليميين؟ وما الذي يجعل دعم الإمارات لطرف ما تهمة، بينما دعم السعودية أو قطر أو تركيا يُعدّ تحالفاً مشروعاً؟

إن العقل الوطني السليم يقتضي الاعتراف بأن أي طرف يعمل فعلياً على الأرض، في الميدان، يبني مؤسسات، يدير أمنياً ويطوّر تنموياً، هو على الأقل في الجانب الصحيح من المعادلة، حتى وإن اختلفنا معه، طالما أنه لا يقاتل الدولة ولا يرفع شعار السلالة ولا يسعى لتقويض الجمهورية.

علينا أن نتحرر من عبودية الأسماء والولاءات، ونحتكم إلى معيار وحيد: من يبني الدولة؟ ومن يُقاتل من أجل بقائها؟ أما من يقيم في الفنادق، ويدير المعارك من خلف الميكروفونات، ويُصدر الفتاوى السياسية من شاشات ممولة، فهو جزء من الأزمة لا من الحل.

في النهاية، لا يمكن الانتصار على الحوثي بمثل هذا التشظي المقيت. لن تُحرر صنعاء، ولا الحديدة، ولا أي شبر، ما لم يُحرر العقل السياسي اليمني من عقدته الأزلية: إما أنا أو لا أحد، حتى لو كان البديل حوثياً.
خاتمة وتوصيات: نحو عقل جمهوري جديد

إن ما يمر به اليمن اليوم ليس مجرد صراع عسكري أو تنافس نفوذ، بل هو اختبار حقيقي لنضج القوى الجمهورية وقدرتها على الارتقاء فوق الحسابات الضيقة، والاصطفاف حول مشروع وطني شامل يواجه الخطر الوجودي المتمثل بجماعة الحوثي. ومن هذا المنطلق، فإن المرحلة تستوجب اتخاذ عدد من الخطوات العاجلة:

1. وقف الحملات الإعلامية المتبادلة داخل مكونات الشرعية، وإعادة ضبط الخطاب السياسي ليصبّ في خانة مواجهة المشروع الحوثي لا في تصفية الحسابات الجانبية.


2. دعم كل سلطة محلية تعمل على الأرض، سواء في المخا أو في شبوة أو مأرب أو غيرها، دون النظر إلى الولاءات الإقليمية، طالما أن هذه السلطات لا تتبنى مشروعاً طائفياً أو انقلابياً.


3. إعادة هيكلة مجلس القيادة الرئاسي ليعكس توازن القوى على الأرض فعلياً، لا وفقاً للمحاصصات الشكلية، مع تفعيل مبدأ المساءلة داخل المجلس.


4. وضع رؤية وطنية موحدة تُحدّد الأهداف الكبرى لمعركة استعادة الدولة، وتوضح خطوط التماس السياسي والعسكري، وتمنع الازدواجية والتضارب في القرارات.


5. تجريم الولاءات العابرة للحدود دون مسوغ وطني، واعتبار كل اصطفاف إقليمي لا يخدم استعادة الدولة اليمنية جزءاً من مشروع تقويضها.


6. التحرك العاجل لإنقاذ الحديدة والساحل الغربي من أن يبقى رهينة التوازنات الدولية أو للمزايدات السياسية، فكل تأخير يصبّ مباشرة في مصلحة الحوثيين.



إن هذه التوصيات ليست ترفاً فكرياً، بل استحقاقات وطنية عاجلة، من لم يفهم ضرورتها اليوم، فقد لا يجد بلداً ليختلف عليه غداً.




شاهد ايضا


الشرعية بين الانقسام السياسي والشلل الإداري.. ما جدوى تغيير رئيس الوزر ...

الأحد/04/مايو/2025 - 12:27 ص

مهامه، وأن يتم اعتماد الحكومة من مجلس النواب بعد تقديم خطة وموازنة، لكن كل ذلك غائب". واستطرد: "الوزراء المتشاكسون كلٌّ يعود لحزبه، وحتى داخل الوزارة


الجيش الباكستاني يعلن نجاحه في اختبار صاروخ أرض-أرض بمدى 450 كيلومترا ...

السبت/03/مايو/2025 - 11:36 م

أعلن الجيش الباكستاني إجراء تجربة إطلاق ناجحة لنظام أسلحة صاروخية أرض-أرض، موضحا أن هذا النظام الصاروخي الذي يبلغ مداه 450 كيلومترا، يطلق عليه اسم "نظ


جيش الاحتلال الإسرائيلي يعلن استعداد قواته لحماية الدروز في سوريا، وتن ...

السبت/03/مايو/2025 - 10:52 م

أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي السبت، استعداد قواته المنتشرة في جنوب سوريا، لحماية الدروز عقب الاشتباكات الأخيرة في مناطق درزية في سوريا. وقال جيش الاحت