مقالات صحفية
بوادر سقوط الظاهرة الحوثية
الأربعاء - 28 مايو 2025 - الساعة 11:22 م
تشهد الظاهرة الحوثية في اليمن حالة متقدمة من التراجع السياسي والعسكري في ظل تنامي الضغوط المحلية والإقليمية والدولية التي تهدد استمراريتها. وتُشير جملة من التحولات والمستجدات المتسارعة إلى اقتراب هذه الظاهرة من مرحلة الأفول، وذلك في ضوء تعقيد المشهد الإقليمي، وتغير مواقف الفاعلين الدوليين، فضلًا عن التحولات البنيوية داخل الجماعة نفسها.
من أبرز العوامل التي تسهم في تراجع الظاهرة الحوثية ما يرتبط بسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، أحد أبرز الحلفاء الإقليميين لإيران، الداعم الرئيس للجماعة الحوثية. فقد شكّل انهيار النظام السوري معنويًا وعسكريًا ضربة لمحور المقاومة الذي تقوده طهران، وأسهم في إضعاف الدعم اللوجستي والسياسي والعسكري الذي كانت توفره الجماعة الإيرانية للحوثيين.
ويُعد التقارب الأمريكي الإيراني عاملًا إضافيًا ذا أهمية في هذا السياق. فعلى الرغم من التعقيدات التي تحيط بالملف النووي، فإن أي تفاهمات شاملة بين واشنطن وطهران قد تفرض على الأخيرة تقليص نفوذها الإقليمي، بما في ذلك تقليص الدعم الموجَّه للحوثيين. وفي هذا الإطار، يُشكل تصنيف الجماعة الحوثية منظمة إرهابية أجنبية من قِبل عدد من الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تطورًا حاسمًا في عزل الجماعة سياسيًا وتقييد حركتها ماليًا، من خلال فرض العقوبات وتجفيف مصادر التمويل والدعم.
أمنيًا، يمثل تهديد الجماعة للملاحة الدولية في البحر الأحمر تطورًا بالغ الخطورة يستدعي تدخلًا دوليًا مباشرًا. فالمساس بخطوط الملاحة يُعد تهديدًا للأمن البحري العالمي، ما قد يؤدي إلى تصعيد عسكري واسع النطاق ضد الحوثيين، في ظل احتمالات اتساع نطاق العمليات العسكرية في المنطقة وعودة المواجهات إلى مستويات أكثر ضراوة من ذي قبل.
في السياق نفسه، يشكل تزايد التوتر العسكري بين إيران وإسرائيل عاملًا مفصليًا قد يُسهم في تقليص الدعم الإيراني للجماعة. وإذا ما تطور هذا التوتر إلى مواجهات مباشرة، لا سيما في حال استهداف منشآت نووية إيرانية، فإن طهران قد تضطر إلى إعادة ترتيب أولوياتها، مما قد ينعكس سلبًا على حلفائها في المنطقة، بمن فيهم الحوثيون. كما أن احتمالات توجيه ضربات إسرائيلية مباشرة لمواقع تابعة للجماعة في اليمن قد يعيد إلى الأذهان سيناريو استهداف "حزب الله" في لبنان، بما يعجّل بتآكل القوة الحوثية ميدانيًا.
على المستوى الداخلي، تعاني الجماعة من تصاعد التوتر العسكري على عدد من الجبهات، وهو ما يؤدي إلى إنهاك قوتها الميدانية وتهديد تماسكها العسكري. كما أن التقارب السعودي الإيراني يحمل في طياته فرصًا لإعادة ترتيب الملف اليمني إقليميًا، بما قد يفضي إلى تفاهمات تقلّص النفوذ الإيراني في اليمن، وتفتح الطريق أمام تسوية سياسية تستبعد الجماعة من مراكز النفوذ والتأثير.
دوليًا، تبرز إرادة متزايدة لإنهاء الحرب في اليمن، تُترجم عبر ضغوط دبلوماسية تمارسها القوى الكبرى على الأطراف الإقليمية لوقف دعمها للحوثيين. كما أن الضربات الجوية الأمريكية التي استهدفت قدرات الجماعة، خصوصًا في مجالات الطائرات المسيّرة والصواريخ، أسهمت في إضعاف هيمنتها الميدانية، وتقليص قدراتها العسكرية على نحو ملحوظ.
اجتماعيًا، تتزايد حدة الأزمة الإنسانية في مناطق سيطرة الجماعة، ما أدى إلى اتساع دائرة السخط الشعبي تجاهها نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية وتصاعد سياسات الجباية القسرية والتضييق على الحريات. ويعزز هذا السخط تصاعد النقمة القبلية تجاه الجماعة، في ظل ممارساتها القمعية بحق المعارضين، الأمر الذي يُهدد التحالفات الاجتماعية التي كانت تمثل أحد أعمدة بقائها.
وتواجه الجماعة كذلك انقسامات سياسية وعسكرية متنامية، لا سيما في ظل التباينات الداخلية بشأن ملفات إقليمية، من أبرزها ملف غزة، ما يعكس هشاشة التماسك الداخلي للجماعة. ويُضاف إلى ذلك التحول الملحوظ في الموقف الإيراني تجاه الملف اليمني، إذ باتت طهران تميل إلى مقاربة أكثر واقعية، مدفوعة بالتحديات الداخلية والخارجية، ما قد يفضي إلى تقليص تدخلها في اليمن وتراجع دعمها للجماعة.
في المقابل، يُبدي مجلس القيادة الرئاسي اليمني رغبة متزايدة في استعادة السيطرة على محافظة الحديدة وسواحل البحر الأحمر، تمهيدًا للتقدم نحو العاصمة صنعاء. وتمثل هذه التحركات تهديدًا مباشرًا للوجود العسكري للحوثيين، في ظل تراجع معنويات مقاتلي الجماعة وتزايد عزلتها السياسية.
أخيرًا، تشهد المواقف الدولية تحولًا تدريجيًا في التعامل مع جماعة الحوثي، حيث لم تعد تُعامل كطرف سياسي مشروع، بل باتت تُصنّف باعتبارها جماعة متمردة مسلحة تُهدد الأمن الإقليمي والدولي، وتُعيق فرص التوصل إلى تسوية سياسية شاملة في اليمن.
بناءً على ما سبق، يمكن القول إن الظاهرة الحوثية تقف عند مفترق طرق حرجة ، إذ تتقاطع الضغوط الخارجية مع الأزمات الداخلية، ما يجعل احتمالية تراجعها أو انهيارها واردة بشكل كبير، ما لم تبادر الجماعة إلى مراجعة جذرية لسياساتها وخياراتها، في ظل بيئة إقليمية ودولية آخذة في التغيّر.