مقالات صحفية


من جمهورية سبتمبر.. إلى خرافة الولاية

الجمعة - 13 يونيو 2025 - الساعة 02:47 ص

م. مشتاق هاشم العلوي
الكاتب: م. مشتاق هاشم العلوي - ارشيف الكاتب



في اليمن المكلوم التي وأد نظامها الجمهوري وهو حي، خرجت علينا من تحت أنقاض الذاكرة جماجم التاريخ لتزف إلينا بشارة ما تسمى "يوم الولاية" ذلك اليوم المشؤم في أيام العدالة. اليوم الذي لايعتبر طقساً دينياً أو استذكاراً لموقف روحي، بل أداة تحشيد لشرعنة بعث السلالة من مرقدها السياسي، لكي تكون سكاكين حادة تشق قلب الجمهورية بطعناتٍ آثمةٍ تزهق ماتبقى من أنفاس العدالة، والمساواة، والشورى في بلدٍ بدد عقود طويلة في العبث، والخراب ولم يستطع أن يشيد اي إنجاز عظيم يستحق الإحتفال بسبب خيانة النخب السياسية، وقلة الوعي الشعبي. ووسط هذا الإفلاس الحضاري الكبير نسمع اليوم تسويقًا للإمام القادم، الإمام القادم من بطون الأنساب، وليس من بطون الكتب، وسُلم الوعي والمعرفة، والكفاءة..!

في لحظةٍ ملتبسة من تاريخ اليمن، يعاد تسويق السلالة من بوابة "الولاية"، ليس بإعتبارها حق سياسي ضمن دولة مدنية، بل بإعتبارها منظومة حكم تعيد إنتاج فكرة الحق الإلهي، المستقرة في أذهان القطيع الراغب بعودة العبودية، المغلفة بعاطفة دينية ملوثة. اليوم لا يعاد طرح الإمامة بصفتها نظاماً سياسياً اجتهد فيه أئمة، بل لكونها المصير المحتوم الذي ينبغي على الناس التسليم له، والقبول به، لأنه "قدر من السماء". إننا في لحظة تضليل كبرى، تلبس ثوب القداسة لتخفي جريمة الانقلاب على فكرة الجمهورية، والنظام الجمهوري الذي حررت الإنسان اليمني من الوصاية الوراثية الظالمة.

إن فكرة حكم الشعوب بإسم السماء فكرة وقحة، لم يستخدمها حتى الأنبياء والمرسلين، ولا يستغل هذا الحق إلا متسلق على إرادة الشعوب. إن فكرة التسلط على كرامة الشعوب لا تفرضها المساجد، ولا كثرة الخُطب، ولا الشارات الخضراء. نحن اليوم في عالم ما بعد الثورات، ولا يزال في اليمن بعض العقول المريضة التي تقول: لا تحق الرئاسة إلا لابن البطنين...! هذا الشعب هو الذي أسقط الإمامة مرتين، فكيف يقبل بفكرة إختار رئيسه ممن يحمل دماء مقدسة فقط..؟ هذا الصراع في جوهره ليس مابين زيدية وشافعية، ولا بين طائفة وأخرى، بل صراع بين من يرى الحكم مشروعاً سياسياً قابلاً للتداول، ومن يراه إرثاً بيولوجياً منزلاً.

إن الفرق بيننا وبينهم هو الفرق بين الدولة والسلطة، وبين التعاقد الوطني والخضوع الوراثي، وبين المواطن الذي يملك حق السؤال والمحاسبة، والتابع الذي يكتفي بالبيعة فقط. وفي النظام الجمهوري، الحاكم موظف لدى الناس. أما في الولاية، الناس رعايا في ضيعـة الإمام. ولهذا كانت الجمهورية – بكل عيوبها – أعظم من أي ادعاء بالخلافة أو الولاية أو الاصطفاء..؟ لأن الفكرة التي ولدت في سبتمبر، لم تكن تغيير نظام، بل انقلاب في الوعي.

من يظن أن الجمهورية مجرد لحظة في دفتر التاريخ، فهو لا يعرف اليمني حين يثور. ومن يرى أن الإمامة يمكن أن تعاد من جديد، فهو لا يفهم أن الدماء التي سالت في صعدة وتعز ومأرب وحجة والحديدة وعدن، لم تكن لحماية زعيم سياسي، بل دفاعاً عن آخر ما تبقى للناس من كرامة. والجمهوري الحقيقي ليس من يكره الهاشمي، بل من يرفض أن يحكم باسمه.

ليس لدينا عداوة مع آل البيت، نحن نحترم أنسابهم. ولكن لن نمنحهم البلاد على طبق من ذهب..؟ ليس لأننا نكرههم، بل لأننا نحب هذا الوطن أكثر منهم. ومن أراد أن يحكمنا، فليأت من بوابة القانون عبر صندوق الانتخابات، ولا يأتي من كتب الأنساب وسرديات الاصطفاء. إن هذا الزمان هو زمانٌ يستخدم فيه الدين للدفاع عن مشروعٍ سياسي مريض، وتقدم فيه الدولة قرباناً للدم "الهاشمي"، وتذبح فيه الجمهورية بخنجر الآيات المحرفة، وقصائد مطهرة، وأتباع مبرمجين...!

إن الجمهورية ليست نظام حكم فقط. بل هي وعي جديد، يرى الناس جميعًا سواسية، لافرق بينهم في حسب، او نسب. وفي سبيل إرساء دعائم النظام الجمهوري فإننا نعيش اليوم هذه الحرب القاسية. وهي حرب تهدف إلى تصفية فكرة الجمهورية التي أيقظت هذا الشعب في ثورة ٢٦سبمتبر من العام١٩٦٢م. ولن يستطيعوا تصفية هذه الفكرة العظيمة إلا إذا نسيها أهلها، وأهملها الأبناء بعد الأباء.

لسنا محرضين على معركة طائفية، ولن نكون أبدا. ولكننا نرفض أن نُستغفل باسم الدين، ونريد وطناً يتسع للجميع، ودولة تحمي الكل، وليس سلالة تتملك الكل. ومن أراد أن يحكم فليخدم الناس، ويحافظ على مصالحهم. يجب أن يعلم الدجالون، أن اليمن ليست ملكية خاصة. ولن تقبل العودة إلى عصور ما قبل ثورة ٢٦سبتمبر. و لا يظن أولئك الحاقدون أن الردة على الجمهورية قد نجحت، فلا يزال هناك ناراً تتقد تحت الرماد....... نار الوعي، نار الكرامة، ونار الوطن الذي لم يمت، بل أُجبر على الصمت.




شاهد ايضا


قلق أممي وإشادة أمريكية وتنديد عربي.. الهجوم الإسرائيلي على إيران يثير ...

الجمعة/13/يونيو/2025 - 09:33 م

عبرت الأمم المتحدة عن قلقها إزاء الهجمات الإسرائيلية على المنشآت النووية في إيران، فيما أشاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالهجوم، ووصفه بأنه "ممتاز"،


عاجل | وكالة الأنباء الإيرانية: بدء الرد الإيراني الساحق بإطلاق مئات ا ...

الجمعة/13/يونيو/2025 - 09:27 م

عاجل | وكالة الأنباء الإيرانية: بدء الرد الإيراني الساحق بإطلاق مئات الصواريخ الباليستية تجاه إسرائيل


الاحتلال يعلن اعتراض صاروخ أطلق من اليمن ...

الجمعة/13/يونيو/2025 - 09:26 م

قال جيش الاحتلال الإسرائيلي، إنه اعترض صاروخًا أطلق من اليمن باتجاه إسرائيل، وذلك في أعقاب دوي صفارات الإنذار في القدس ومناطق أخرى. يأتي ذلك في الوقت