التوازنات الإقليمية في مرحلة تحوّل: من تفكك الجهادية الشيعية إلى صعود الجهادية التوراتية؟

الجمعة - 13 يونيو 2025 - الساعة 04:35 م

الكاتب: د. عبدالقادر لطف الخلي - ارشيف الكاتب

تمهيد:

تشهد منطقة الشرق الأوسط مرحلة تحولات استراتيجية غير مسبوقة، على وقع التصعيد المتواصل بين إسرائيل وإيران. وفي ظل مؤشرات متزايدة على إمكانية التفوق الجوي الإسرائيلي داخل الأجواء الإيرانية، تُطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل الدولة الإيرانية، وتداعيات ذلك على البنية الإقليمية برمتها.

أولاً: تفوق جوي إسرائيلي محتمل داخل العمق الإيراني

تشير التقديرات العسكرية والاستخباراتية إلى احتمال نجاح إسرائيل، خلال الأيام القادمة، في فرض هيمنة جوية شبه كاملة على المجال الجوي الإيراني.

هذا التفوق، إن تحقق، قد لا يقتصر على ضربات جوية موضعية، بل قد يتطور إلى عمليات مركّبة تستهدف البنية التحتية العسكرية والنووية وحتى مؤسسات الدولة.

ثانياً: هشاشة البنية الداخلية الإيرانية

تُعد الجمهورية الإسلامية الإيرانية كياناً سياسياً مؤسساً على اتحاد فسيفسائي يضم نحو 25 إثنية وشعباً (من الفرس إلى الأذريين، والأكراد، والبلوش، والعرب، وغيرهم).

من شأن أي اختراق أمني أو عسكري واسع النطاق أن يُفجّر التناقضات الداخلية ويُهدد بتفكك البنية الوطنية الجامعة.

ثالثاً: تداعيات إقليمية محتملة

سلبيات محتملة:

فراغ إقليمي قد تُستغلّه قوى متطرفة أو انفصالية.

تصاعد الفوضى في مناطق النفوذ الإيراني كالعراق، وسوريا، ولبنان، واليمن.

انزلاق نحو مواجهات غير تقليدية (حروب عصابات، هجمات بالوكالة، إلخ).

إيجابيات محتملة:

تراجع المنظومة الجهادية الشيعية التي كانت تقود مشروعاً توسعياً منذ 2003.

إعادة تشكيل نظام إقليمي جديد أكثر توازناً، إذا ما تم استثماره بحكمة من قبل الفاعلين العرب والدوليين.

فرصة لتقليص نفوذ الميلشيات المسلحة لصالح الدول الوطنية.

رابعاً: نهاية مرحلة الجهادية الشيعية؟

المشهد الحالي قد يُمثّل الفصل الأخير من المغامرة الجهادية الشيعية التي تقودها طهران منذ الثورة الإسلامية.

تماماً كما شهدنا سابقاً أفول مشروع الجهادية السنية (داعش، القاعدة) بفعل الضربات العسكرية والتحولات السياسية.

خامساً: سؤال مفتوح حول الجهادية التوراتية

بروز خطاب ديني صهيوني أكثر تطرفاً في المشهد الإسرائيلي يُثير تساؤلات مشروعة حول صعود ما يمكن تسميته بـ"الجهادية التوراتية".

هل نحن أمام لحظة انعطاف تاريخية يتحول فيها المشروع الديني اليهودي من "دفاعي" إلى "توسعي"؟

الأيام القادمة ستكون حاسمة في الإجابة عن هذا السؤال، لكنها تنذر بمرحلة جديدة من التأزم العقائدي والمواجهات اللاهوتية المتلبسة بالسياسة.

خاتمة:

إننا نقف اليوم على حافة مشهد ضبابي يشي بتحولات كبرى في بنية النظام الإقليمي. تتراجع قوى وتنهار مشاريع، بينما تُولد أخرى. وبين أفول الجهادية الشيعية وصعود علامات استفهام حول الجهادية التوراتية، فإن مستقبل الشرق الأوسط مرهون ليس فقط بما سيحدث، بل بكيفية قراءة الفاعلين له، واستجابتهم لهندسة المشهد المقبل.