مقالات صحفية
إيران وإسرائيل: بين طوفان غزة وضربات طهران... سقوط وهم الردع وصعود معادلات جديدة
الجمعة - 13 يونيو 2025 - الساعة 11:17 م
تمرّ الطائرات المسيّرة الإيرانية فوق أجواء سوريا ولبنان والأردن، في مشهد يبدو لأول وهلة استعراضًا للقوة، لكنه يكشف في العمق هشاشة الردع الإيراني الحقيقي.
وهنا يطرح السؤال نفسه: هل تمتلك إيران فعلًا القدرة على توجيه ضربة مؤثرة أو مدمّرة لإسرائيل؟ أم أن ما نراه لا يتجاوز كونه ضجيجًا إعلاميًا؟
تُشبه قصة الطائرات المسيّرة الإيرانية حكاية الأستاذ الذي جلس مطمئنًا داخل طائرة صنعها أحد طلابه، بينما فرّ الآخرون خوفًا. لم يكن الأستاذ شجاعًا بقدر ما كان واثقًا من محدودية قدرات طالبه.
بهذه الذهنية تحديدًا، تتعامل إسرائيل، وقيادتها السياسية – وعلى رأسها بنيامين نتنياهو – مع ما تسميه "التهديد الإيراني".
فعلى الرغم من عشرات السنوات التي أمضتها طهران في تطوير ترسانتها من الصواريخ الباليستية والمسيّرات، لم تُحدث أي اختراق نوعي في ميزان القوى مع إسرائيل. ومع كل تصعيد وتهديد جديد، كانت قناعة صناع القرار في تل أبيب تزداد بأن التهديد الإيراني لا يتجاوز حدود الاستعراض الإعلامي والتحشيد السياسي.
لكن ما لم يكن في الحسبان قد حدث بالفعل:
"طوفان الأقصى" لم يكن مجرد عملية عسكرية، بل زلزالًا أمنيًا غيّر المعادلات.
بطائرات شراعية وأسلحة خفيفة، كسرت حماس في يوم واحد هيبة الموساد والجيش الإسرائيلي، وفتحت أمام مراكز القرار في واشنطن وتل أبيب أبوابًا جديدة لإعادة التفكير الاستراتيجي.
أصبح السؤال المطروح: ماذا لو امتلك العرب الحقيقيون أدوات القوة؟ وماذا لو تخلّصوا من عباءة الوهم الإيراني وتحرّكوا نحو مشروع عربي مستقل؟
وبينما تتفاعل تداعيات هذا الطوفان، جاءت الضربات الإسرائيلية الأخيرة على طهران لتفتح جبهة جديدة. فقد كشفت مصادر دبلوماسية أن إسرائيل سلّمت إيران – عبر الأمم المتحدة – ملفًا يتضمن معلومات دقيقة عن مشروعها النووي وتحركات كبار قادتها. الأخطر أن إيران لم تنكر المعلومات، بل أكّدتها، وردّت بادعاء مماثل أنها اخترقت مشاريع إسرائيل النووية، في محاولة لإحداث توازن معنوي، لا واقعي واستبعاد الضغط الاسرائيلي على طاولة المفاوضات حول الملف الايراني القائم .
وقد خابت فعلاً في تقدير الموقف .
لتصبح إيران: من الانتصارات الإعلامية إلى الهزائم الاستراتيجية والأعلامية .
لطالما اعتمدت إيران على الانتصارات الخطابية والإعلامية، لكن اليوم، تتلقّى هزائم متلاحقة، سياسيًا وإعلامياً من واشنطن، وعسكريًا من تل أبيب.
أصبحت القوة الإسرائيلية تمثل عصًا أمريكية تُلوّح بها أمام طهران، فيما يحاول المشروع الصهيوني تحطيم آخر العقبات التي تقف في طريقه نحو "إسرائيل الكبرى".
الحقيقة التي يصعب تجاوزها:
إيران، وفي كل مواجهة حقيقية مع إسرائيل أو توتر مع الولايات المتحدة، تنتصر إعلاميًا فقط، وتخسر ميدانيًا على الأرض. وكلما ارتفع صوتها في الإعلام، ازداد انكشاف عجزها في ميزان الردع الإقليمي.
في ظل هذا المشهد، لا يبدو الشرق الأوسط سوى حافة بركان قابل للانفجار في أي لحظة.
وحتى خطاب الرد الإيراني، المليء بالوعيد والتهديد بـ"الجحيم"، لا يخفي إدراك طهران بأن خياراتها محدودة، وحلفاءها – بعد خسارات متتالية – باتوا أكثر ترددًا من أي وقت مضى.
فروسيا منشغلة في أوكرانيا، والصين تتجنب الانخراط في نزاعات عسكرية، وتفضّل أدوات الضغط الدبلوماسي والاقتصادي.
أما إيران، فهي اليوم محصورة بين مطرقة الضربات الإسرائيلية المتصاعدة وسندان الانكشاف الأمني والاستخباراتي.
الضربات الأخيرة التي استهدفت علماء نوويين وقادة كبارًا في الحرس الثوري والقوات المسلحة، جعلت النظام الإيراني يبدو مكشوفًا ومرتبكًا. إسرائيل لا تخفي نيتها في تغيير النظام، لا الاكتفاء بتحجيمه، كما صرّح دونالد ترامب: "لن تمتلك إيران سلاحًا نوويًا، سواء بالقوة أو بدونها" – وهو ما قد يتحقق فعلًا.
حتى الحوثيون، الذين اعتادوا ترديد الشعارات الثورية، ظهروا مرتبكين، كما عكست ذلك بيانات رابطة علماء اليمن التي صرّحت صراحةً بأن إيران لا تملك القدرات النووية التي تزعمها أمريكا وإسرائيل، معتبرة أن استهدافها لا يتعدّى كونه فصلًا جديدًا من فصول الهيمنة الغربية.
الطوفان غيّر كل شيء
اليوم، بات الجميع يُدرك أن "الطوفان الفلسطيني" لم يكن مجرد عملية عابرة، بل نقطة تحوّل تاريخية.
لقد غيّر المعادلة، لا في غزة فقط، بل في إدراك العالم بأن العرب، حين يمتلكون الإرادة، قادرون على كسر سقف الواقع وقلب الطاولة.
سبق أن تناولت في مقالة سابقة كيف أن طوفان الأقصى لن يقتصر على فلسطين، وها نحن نرى تداعياته في لبنان، حيث خرج حزب الله من المعركة خاسرًا، بعد اختراق أمني وتراجع عسكري، وفي اليمن، حيث يراهن "أنصار الله" على شعب يُستنزف كل يوم تحت أيديهم.
ولذلك، فإن كل من دعم "الطوفان" أو سهّل له، أصبح في مرمى الاستهداف الإسرائيلي والأمريكي، وبات جزءًا من حسابات تصفية الحسابات في الشرق الأوسط الجديد.
إيران: بين الانهيار المعلن والرد المرتبك
حتى اللحظة، لم يتجاوز الرد الإيراني سوى طلعات بطائرات مسيّرة أو قصف صاروخي محدود، موجه نحو أهداف اقتصادية أو رمزية، لا تُحدث فارقًا استراتيجيًا في موازين القوى.
في الواقع، لا تملك إيران منظومة ردع متماسكة، بل تراهن على خطاب إعلامي وتخويف نفسي، بينما الأيام القادمة مرشّحة لحمل مفاجآت مؤلمة لطهران.
سقوط حسن نصر الله سياسيًا وعسكريًا، إن وقع، سيمثل ضربة كبيرة لطهران، ويمنح إسرائيل فرصة تاريخية لتصفية الحسابات القديمة، وإعادة رسم المنطقة دون شوكة شيعية تعيق مشروعها التوسعي.
إسرائيل اغتنمت الفرصة، وأمريكا تدعمها دون تردد، في ظل صمت دولي، وغياب موقف جدي من روسيا أو الصين، اللتين تكتفيان بالمراقبة والتحذير.
إيران بالفعل تخسر. والمنتصر – غالبًا – لن يكتفي بالتدخل في شؤونها الداخلية، بل قد يتحوّل إلى "حاميها وحراميها" في الشرق الأوسط.
وإن لم يتدارك عقلاء المنطقة خطورة المرحلة، فقد نجد أنفسنا أمام حريق شامل لا يقتصر على العرب، بل قد يجرّ الصين وروسيا قسرًا إلى قلب المعركة.
ويبقى الأمل معلّقًا، كما كان دومًا، على أن يُحدث الله أمرًا في هذه الأمة العربية والإسلامية، يُعيد به ميزان القوة والكرامة.