المقاومة الشعبية في اليمن: من ساحات النضال إلى متحف الذكرى

الثلاثاء - 27 مايو 2025 - الساعة 04:40 م

الكاتب: د. عبدالقادر لطف الخلي - ارشيف الكاتب

قراءة نقدية في تحوّلاتها البنيوية ووظيفتها الرمزية

1. النشأة: المقاومة كفعل وطني حر

ظهرت المقاومة الشعبية كرد فعل عفوي من أبناء المجتمع ضد جماعات العنف والانقلاب، لا كذراع حزبي أو مؤسسة رسمية.

امتازت بالتجرد: لا رتب، لا رواتب، لا إعلام مركزي. فقط سلاح شخصي وإيمان بقضية الكرامة والوطن.

شكلت، في بدايتها، نواة وطنية خالصة خارجة عن البنى البيروقراطية والشللية الحزبية.

2. لحظة الانحراف: "ترقيم" المقاومة

تم احتواء المقاومة تدريجياً عبر سياسة "الترقيم"، أي دمج عناصرها ضمن مؤسسات الجيش والأمن.

هذا التحول جرّد الفعل المقاوم من استقلاله وطاقته التحررية، وحوّله إلى وظيفة خاضعة للتراتبية والمصالح.

أصبح المعيار للترقية ليس الكفاءة الميدانية، بل القرب من دوائر النفوذ، ومهارات التملق.

3. اغتيال المعنى: من التضحية إلى النفعية

المقاوم الحقيقي، الذي قاتل دون مقابل، أصبح اليوم بلا صوت:

إما في القبور،

أو جريحاً مهملاً،

أو مهمشاً لأنه لا يساوم ولا ينافق.

في المقابل، تصدّر المشهد من عرف كيف يوظف "ذكريات النضال" لكسب المواقع والامتيازات.

4. الرمزية الفارغة: مقاومة الندوات والقاعات

تحول فعل المقاومة إلى مجرد خطاب يُحتفل به في القاعات المكيفة عبر الندوات والبيانات والصور الجماعية.

صارت المقاومة واجهة رمزية لتجميل الواقع، لا أداة لتغييره.

الممارسات الاحتفالية لا تعبّر عن استمرارية النضال، بل عن نهايته كمشروع حيّ.

5. من النضال إلى التوظيف السياسي

أصبحت "المقاومة" سلعة سياسية تُوظَّف:

لكسب الشرعية،

للتفاوض مع الخارج،

لتبرير امتيازات الداخل.

تلاشى البُعد التحرري وتحول إلى خطاب نفعوي يعيد إنتاج علاقات الهيمنة.

6. مفارقة السلطة: الناجون من الجبهة

الأكثر نجاحاً لم يكونوا بالضرورة من واجهوا الموت في الميدان، بل من عرفوا من أين تُؤكل كتف الثورة.

"المناضل السابق" أصبح وصفاً بيروقراطياً يمنح الامتياز، لا يعكس تضحية حقيقية.

مفارقة مرة: المخلصون دفعوا الثمن، والمتسلقون قبضوا الثمن.

7. ما العمل؟ نحو إعادة الاعتبار للمعنى

لا بد من استعادة المفهوم الحقيقي للمقاومة: كفعل أخلاقي، لا أداة سياسية.

تجديد الخطاب المقاوم لا يكون بالاحتفالات، بل بمراجعة صارمة لسرديات النضال وتفكيك منظومة الاستغلال الرمزي.

المحاسبة التاريخية ضرورة: من باع المقاومة، لا يجوز أن يكتب تاريخها.