مقدمة: شهد المؤتمر الأول للشباب بتعز سلسلة انسحابات لافتة من قبل ممثلين عن عدد من الكيانات السياسية والشبابية، وهو ما أثار تساؤلات حول خلفيات هذه الانسحابات، وعمّا إذا كانت تعبّر عن اعتراض مشروع على سير المؤتمر، أم أنها تكتيك سياسي ضمن صراع النفوذ على الساحة الوطنية. في هذا المقال، نسعى لتحليل هذا الحدث من منظور سياسي، مع التركيز على الفواعل، المبررات، والدلالات.
أولًا: الأطراف المنسحبة تتمثل أبرز الكيانات التي أعلنت انسحابها من المؤتمر في:
شباب التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري
شباب المكتب السياسي للمقاومة الوطنية
شباب الحزب الاشتراكي اليمني
شباب المؤتمر الشعبي العام
هذه الأطراف تمثل طيفًا أيديولوجيًا متنوعًا وتاريخيًا في الساحة اليمنية، من القومية إلى اليسار واليمين الوطني، ويعكس انسحابها موقفًا جماعيًا متقاربًا من مجريات المؤتمر.
ثانيًا: المبررات المعلنة بررت هذه الكيانات انسحابها بما أسمته محاولات من "قوى سياسية" للهيمنة على مخرجات المؤتمر، دون تسميتها صراحة. وتكرار هذا المبرر بصيغ متشابهة يرجح وجود تنسيق مسبق بين تلك الأطراف، ويطرح سؤالًا عن الجهة أو الجهات المقصودة بالاتهام.
ثالثًا: القوى المتهمة بالهيمنة – من تكون؟ رغم عدم تسمية الأطراف المتهمة بالهيمنة على المؤتمر، فإن السياق يشير إلى احتمالية تورط جهات ذات نفوذ راهن في السلطة، ربما تسعى لتوظيف المؤتمر كأداة لإعادة تثبيت شرعيتها أو لترويج خطابها السياسي عبر منصات شبابية. وقد تشمل هذه القوى بعض الأحزاب التي تمتلك أذرعًا شبابية نشطة داخل المؤتمر أو قوى نافذة في السلطة المحلية.
رابعًا: فرضية التوجيه الحزبي للانسحاب تشير المعطيات إلى أن قرارات الانسحاب لم تكن ارتجالية أو نتيجة تفاعل لحظي، بل يُحتمل أنها جاءت بتوجيه مباشر من القيادات الحزبية. هذا يعكس قلق تلك الأحزاب من مخرجات المؤتمر، إذا ما جاءت مستقلة عن إرادتها السياسية. ولعل الخوف الأهم هو انبثاق خطاب شبابي بديل يتجاوز الطروحات التقليدية.
خامسًا: إشكالية استقلالية المبادرة الشبابية قد تكمن الإشكالية الجوهرية في سعي بعض القوى الشبابية للاستقلال عن الوصاية الحزبية التقليدية. إذ بدا أن المؤتمر، في بعض جوانبه، ينحو نحو الانفتاح على مبادرات أكثر حرية وتعبيرًا عن تطلعات الجيل الجديد، ما يعني تهديدًا صريحًا للهيمنة الحزبية التقليدية على الخطاب والمجال العام.
سادسًا: دلالات الانسحاب في السياق السياسي الأوسع تعكس هذه الانسحابات حالة من الارتباك داخل بنية النظام السياسي تجاه أي محاولات لإعادة تعريف أدوار الشباب خارج الإطار الحزبي الضيق. وتظهر أيضًا هشاشة العلاقة بين الأحزاب وقواعدها الشبابية، وهو ما يثير أسئلة حول مدى تمثيل تلك الأحزاب لهموم وتطلعات الأجيال الجديدة.
سابعًا: غياب التأثير وعجز الطرح الحزبي تشير هذه الانسحابات أيضًا إلى افتقار تلك الأحزاب إلى لغة تأثير فعالة داخل المؤتمر، بل وإلى عجزها عن إنتاج صيغ ومضامين سياسية تُمكّن الشباب من المشاركة الحقيقية في السلطة وصنع القرار. وبالقدر نفسه، تبرز الانسحابات أن الشباب، الذين يُفترض أنهم طليعة التغيير، ما زالوا يُستخدمون كأدوات في صراع القيادات الحزبية التي تجاوزها الزمن، بدلًا من أن يكونوا شركاء فاعلين في رسم مستقبل البلاد.
خاتمة: ما جرى في مؤتمر الشباب ليس مجرد خلاف تنظيمي أو احتجاج على آليات العمل، بل هو تعبير عن أزمة أعمق تتعلق بطبيعة العلاقة بين الفاعلين السياسيين التقليديين والقوى الشبابية الصاعدة. فالمؤتمر، برغم الانسحابات، كشف عن ملامح تحول ممكن في مشهد المشاركة السياسية، حيث بات الشباب يسعون لبناء مسار مستقل عن الحسابات الحزبية، وهو ما يُعد مؤشرًا حيويًا على حيوية المجتمع السياسي وقدرته على التجدد، رغم كل ما يواجهه من تحديات وتدخلات.