مقالات صحفية


بوادر سقوط صنعاء وتداعياته على التسوية

الثلاثاء - 13 مايو 2025 - الساعة 10:27 م

مهند الغرساني
الكاتب: مهند الغرساني - ارشيف الكاتب



في ضوء التحولات المتسارعة التي يشهدها المشهد اليمني، يُعاد طرح فرضية "سقوط صنعاء" كأحد السيناريوهات الممكنة ضمن استشراف مآلات الصراع. ولا يُطرح هذا السيناريو في سياق العودة إلى لحظة سقوط العاصمة في يد جماعة الحوثي عام 2014، بل في إطار استقراء احتمالية فقدان الجماعة سيطرتها الراهنة على صنعاء نتيجة لتراكم عوامل داخلية وخارجية متشابكة. وتنبع أهمية هذا السيناريو من البعد السياسي والرمزي الذي تمثله صنعاء في تشكيل السلطة، والدور المحوري الذي تؤديه في موازين القوى داخل اليمن.

إن العاصمة صنعاء، بوصفها القلب السياسي ورمز السلطة المركزية، تبدو مقبلة على مرحلة مفصلية قد تعيد رسم خارطة الصراع اليمني بصورة جذرية. وتشير مجموعة من المؤشرات إلى إمكانية خروجها من قبضة جماعة الحوثي في ظل بيئة داخلية وإقليمية ودولية آخذة في التغير. ومن أبرز هذه المؤشرات تزايد فرص الحسم العسكري من قِبل مجلس القيادة الرئاسي، إذ يشهد هذا المجلس تصاعدًا في الجاهزية الميدانية والمعنويات العسكرية، إلى جانب صدور مؤشرات رسمية تفيد بعزم جاد على التقدم نحو العاصمة.

وتسهم فوضى العمليات الحوثية في البحر الأحمر، والتي تبررها الجماعة بذريعة دعم غزة والدفاع عن الأمن القومي اليمني، في تأزيم موقفها، بعد أن استدعت هذه العمليات ردود فعل دولية صارمة، أدت إلى عزلها سياسيًا وعسكريًا. يضاف إلى ذلك النهج التصعيدي المتهور الذي ينتهجه زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، والذي يعتمد سياسة المواجهة المباشرة وافتعال الصراعات، ما يعكس ذهنية طائفية ويضع الجماعة أمام تحديات تهدد بقاؤها.

وتتزايد خسائر الجماعة في الأرواح والمعدات نتيجة للضربات الجوية المتكررة التي تنفذها القوات الأميركية والبريطانية، والتي استهدفت مواقع استراتيجية وألحقت أضرارًا فادحة بالبنية القيادية والعسكرية للحوثيين. كما أن النفور المتصاعد من قبل القبائل اليمنية، واستعداد بعضها للانقضاض على الجماعة عند توافر الظروف، يهدد ركيزة اجتماعية كانت تمثل سندًا حيويًا لها. وتترافق هذه الديناميات مع رغبة متنامية لدى المجتمع الدولي في إنهاء الحرب في اليمن، ووجود توافقات ضمنية بين قوى دولية مؤثرة للدفع نحو حل سياسي أو ميداني يعيد مسار الدولة اليمنية.

ويُضاف إلى ذلك تصاعد التهديدات الإسرائيلية ضد الجماعة، وتصريحاتها باستهداف رموز الحوثيين، ما يزيد الضغوط الإقليمية على الجماعة ويفاقم خطر الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة. في المقابل، يُظهر الجيش اليمني روحًا قتالية عالية، وإصرارًا متناميًا على استعادة العاصمة كخطوة مفصلية في إنهاء الانقلاب واستعادة الدولة. وتأتي هذه التحركات في ظل نقمة شعبية متزايدة، تغذيها المظالم والانتهاكات التي مارستها الجماعة منذ سيطرتها على صنعاء في 21 سبتمبر 2014، والتي طالت مختلف فئات المجتمع اليمني.

ومن جهة أخرى، تشهد الساحة الإقليمية تحولات في الموقف الإيراني، حيث تسعى طهران إلى إعادة ترتيب أوراقها السياسية والدبلوماسية، ما قد يدفعها إلى تقديم تنازلات في الملف اليمني مقابل مكاسب على صعيد الملف النووي أو في إطار تخفيف العقوبات الدولية. كما تتزايد الضغوط الدولية والإقليمية على الجماعة، ويتغير الخطاب الدولي من التهدئة إلى الحزم، مع تصاعد الدعوات إلى استعادة مؤسسات الدولة، وهو ما يعكس تحوّلًا نوعيًا في المزاج الدولي تجاه جماعة الحوثي.

وتعكس الاحتجاجات المجتمعية المتصاعدة في صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين حالة تململ شعبي من السياسات الاقتصادية القمعية، وفرض الجبايات، والانتهاكات المستمرة. وتفاقم من هذا الوضع حالة التفكك الداخلي في بنية الجماعة، نتيجة صراعات قيادية وتنافسات على النفوذ، ما يضعف تماسكها التنظيمي ويهدد استقرارها الداخلي. كما أن البنية القتالية للجماعة تتعرض لاستنزاف متواصل، رغم ما يظهر من تماسك ظاهري، في ظل استمرار الضربات الجوية، وتصاعد الاختراقات الأمنية، ونفاد الموارد، وهو ما قد يؤدي إلى انهيار تدريجي، خاصة في حال ترافق مع انشقاقات قبلية أو تصدعات داخل الصف القيادي.

ومهما كانت طبيعة السقوط، سواء جاءت سلمًا أو حربًا، فإن جماعة الحوثي ستجد نفسها عاجزة عن مواجهة إرادة الشعب اليمني والقوى السياسية والاجتماعية الرافضة لمشروعها الإمامي العنصري. وكما كانت الجماعة سببًا رئيسًا في اندلاع الحرب، فإنها ستكون مضطرة لأن تكون جزءًا من عملية سلام يقودها اليمنيون جميعًا، للخروج بالبلاد من حالة الجمود والحرب، نحو مسار الاستقرار والسلام.

في حال تحقق سيناريو سقوط صنعاء، فإن ذلك ستكون له تداعيات عميقة ومباشرة على مسار التسوية السياسية في اليمن. ويمكن تناول هذه التداعيات من خلال مقاربة جدلية توازن بين رؤيتين متضادتين.

الرؤية الأولى ترى في سقوط صنعاء فرصة للتسوية السياسية، إذ قد يؤدي فقدان الحوثيين للسيطرة على العاصمة إلى كسر الجمود القائم، وفتح المجال أمام عملية سياسية أكثر شمولًا، تقوم على إعادة توزيع القوة وفتح الباب أمام مشاركة أوسع في تحديد شكل الدولة. ومن شأن هذا السيناريو أن يعزز موقف الحكومة المعترف بها دوليًا، ويُسهم في إعادة تفعيل مؤسسات الدولة من داخل العاصمة، بما يمهد لحوار وطني شامل يُؤسَّس على شراكة سياسية أكثر توازنًا.

أما الرؤية الثانية، فتنظر إلى سقوط صنعاء بوصفه خطرًا على التسوية، إذ قد يؤدي غياب الجماعة المفاجئ عن المشهد دون توافق سياسي مسبق إلى تفكك إضافي في الدولة، وتصاعد حدة الانقسام الجغرافي والعسكري، لا سيما في ظل تباين مشاريع القوى المحلية والإقليمية. وقد يُفضي ذلك إلى فراغ أمني يصعب ملؤه، ويقوّض فرص بناء توافق سياسي جامع، ما يهدد بإعادة إنتاج مناخ ما قبل 2014 ولكن بصيغ أكثر خطورة وتعقيدًا.

إن المقاربة الواقعية تفترض أن سقوط صنعاء، إن حدث، لا ينبغي أن يُفهم كمجرد انتصار لطرف وهزيمة لآخر، بل يجب التعاطي معه باعتباره محطة حرجة تستوجب الاستعداد بخارطة طريق سياسية تضمن انتقالًا سلميًا ومنظمًا للسلطة، وتحول دون انهيار مؤسسات الدولة أو انفجار الأوضاع الأمنية. ويكمن نجاح التسوية في هذه الحالة في مدى استعداد الأطراف اليمنية، بدعم إقليمي ودولي، لملء الفراغ الناتج عن هذا الحدث بمشروع سياسي جامع، لا باستقطابات جديدة.

وعليه، فإن السيناريو الأكثر عقلانية يتمثل في استباق سقوط صنعاء ببلورة مقاربة وطنية شاملة تُحوّل هذا التحول المحتمل من لحظة انقسام إلى فرصة لتدشين تسوية تقوم على التوافق والشراكة، لا على منطق الغلبة والإقصاء. ويمكن النظر إلى سقوط صنعاء، في هذا الإطار، من خلال مقاربة جدلية تقوم على التفاعل بين التحول الميداني وإرادة التسوية، حيث لا يُفضي الانهيار العسكري بالضرورة إلى نهاية الصراع أو انطلاق السلام، بل يتوقف مآله على مدى نضج الإرادة السياسية، ووجود بنية مؤسسية قادرة على إدارة المرحلة الانتقالية، مع توفير الضمانات الكافية داخليًا وخارجيًا لتثبيت السلام.




شاهد ايضا


ألغام الحرب: خريطة الموت المفقودة في اليمن ...

الأربعاء/14/مايو/2025 - 01:04 ص

زرع عشوائي من يُخفي خرائط الألغام في اليمن؟ هو من أكبر حقول الألغام في العالم، يعيش فوقه اليمنيون، في العديد من المناطق التي شهدت فصول الحرب الدامية ب


مايكروسوفت تفاجئ العالم: مساعد ذكي يرى ما تفعله ويضبط إعداداتك تلقائيا ...

الأربعاء/14/مايو/2025 - 12:34 ص

تستعد شركة "مايكروسوفت" لإطلاق مؤتمرها السنوي للمطورين "Build" بين 19 و22 أيار/مايو، وسط توقعات بسيطرة الذكاء الاصطناعي على الحدث كما في السنوات الماض


حماس تنفي وجود مركز عسكري قريب بعد استهداف إسرائيل لمستشفى في خان يونس ...

الأربعاء/14/مايو/2025 - 12:23 ص

استهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي مستشفى غزة الأوروبي في مدينة خان يونس في قطاع غزة، بهدف مهاجمة أفراد من حركة حماس "مكثوا داخل مجمع قيادة وسيطرة تحت الم