مقالات صحفية


تعز بين العطش والابتزاز: مياه الشرب كسلاح في معركة كسر الإرادة

السبت - 05 يوليو 2025 - الساعة 01:56 م

د. عبدالقادر لطف الخلي
الكاتب: د. عبدالقادر لطف الخلي - ارشيف الكاتب



تشهد مدينة تعز أزمة خانقة في مياه الشرب تتزامن بصورة مريبة مع الإعلان عن ترتيبات مرتقبة لإعادة ضخ المياه من الحقول الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي. هذا التزامن لا يبدو عفوياً ولا بريئاً، بل يكشف عن محاولة ممنهجة لتحويل هذه الأزمة الإنسانية إلى ورقة ابتزاز سياسي واقتصادي، يراد من خلالها إعادة هندسة العلاقة بين تعز والحوثيين على أسس الإخضاع لا الشراكة، والتبعية لا الاستقلال.

إن تقديم جماعة الحوثي كجهة "منقذة" في مواجهة عطش المدينة، يعكس جهداً خفياً لإعادة رسم صورة العدو بصفته "الحل الوحيد الممكن"، وهي لعبة نفسية خطيرة تُمارَس على سكان المدينة التي رفضت على مدى أكثر من عقد الرضوخ للمشروع الحوثي. فالرسالة المراد إيصالها للناس واضحة: "إن نجاتكم الآن من العطش مرهونة بيد من قاومتموه، فلا خلاص إلا عبره". هذه المعادلة المقلوبة تمثل انقلاباً رمزياً على معادلات الصمود والمقاومة التي رسختها تعز طوال سنوات الحرب.

وفي حال مضت الترتيبات كما يُخطط لها، فإن المدينة ستكون أمام وضع بالغ الخطورة، إذ ستتحول مياه الشرب إلى أداة سيطرة مباشرة، وسيغدو الحوثي متحكماً بالمحابس لا بوصفه طرفاً خدمياً، بل بصفته سلطة تعاقب وتمنح على أساس الولاء. سيتحكم بضخ المياه ويقرر إن كان سكان تعز يستحقونها أم لا، وبأي مقابل، وبأية شروط، الأمر الذي سيحول خدمة أساسية إلى آلية تحكم سياسي بامتياز.

الأسوأ من ذلك، أن هذا السيناريو يعيد إنتاج منطق الإذلال السياسي والاقتصادي، فتعز التي كانت عنواناً للمقاومة تـُدفع دفعاً لمدّ يدها إلى عدوها تحت وطأة العطش، في مشهد يُراد له أن يُكسر ما تبقى من معنوياتها الجماعية. في المقابل، تتجاهل السلطة المحلية والحكومة الشرعية حقيقة وجود بدائل واقعية وفعّالة، تبدأ من تنظيم عملية الضخ من الآبار الواقعة داخل المدينة – والتي تحوّلت بفعل الفوضى إلى إقطاعيات خاصة – ولا تنتهي بدعم استكمال مشروع مياه الشيخ زايد، الذي تعثر رغم أهميته البالغة.

إن الرضوخ لخيار العودة إلى المياه القادمة من مناطق سيطرة الحوثيين دون رؤية سياسية شاملة ومنهج تفاوضي متماسك، ليس مجرد قرار خدماتي، بل هو قرار استراتيجي ستكون له تبعات كارثية على صعيد السيادة المحلية والموقف السياسي العام لتعز. فلا يمكن لمدينة عُرفت بكسرها لعنجهية المليشيا أن تُختزل في لحظة عطش وتُدفع لتستجدي ما تملك الحق فيه.

لقد آن الأوان لأن تدرك الجهات المعنية أن معركة تعز مع الحوثيين لم تكن فقط معركة جبهات، بل معركة كرامة وهوية وإرادة، وأن أي تسوية لا تراعي هذا البعد، مهما بدت "خدمية"، قد تفضي إلى انتكاسة معنوية لا تقل فداحة عن أي هزيمة عسكرية.




شاهد ايضا


الأمم المتحدة: التصعيد في اليمن يعرض ملايين النساء والفتيات لخطر المجا ...

السبت/05/يوليو/2025 - 06:10 م

قالت الأمم المتحدة إن نحو 9.6 مليون امرأة وفتاة في اليمن يحتجن إلى مساعدات إنسانية منقذة للحياة، مع التصعيد الذي شهدته البلاد الفترة الأخيرة. وأضافت ه


مركز الملك سلمان للإغاثة يدعم الشباب في حضرموت بمهارات مهنية لتعزيز ال ...

السبت/05/يوليو/2025 - 05:41 م

واصل مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية جهوده لدعم الشباب والشابات في محافظة حضرموت، ضمن مشروع «مسارات مهنية» الذي يهدف إلى تمكينهم اقتصاديًا


ابنة الدكتور المختطف علي المضواحي توجه رسالة مناشدة مؤثرة لإطلاق سراح ...

السبت/05/يوليو/2025 - 05:14 م

وجّهت الطفلة يُمنى، ابنة الدكتور علي أحمد أحمد المضواحي المختطف قسريًا لدى ميلشيا الحوثي في صنعاء منذ أكثر من عام، رسالة مؤثرة لوالدها عبر والدتها، عب