مقالات صحفية
صمود الشيخ صالح حنتوس: كيف واجه الموت بروحٍ لا تعرف الاستسلام
الخميس - 03 يوليو 2025 - الساعة 05:09 ص
في عالم تمتلئ فيه الحياة بالصراعات والألم يبرز أحيانًا نورٌ من الإيمان والثبات ذلك النور الذي قد يضيء دروب الآخرين حتى بعد رحيل صاحبه. الشيخ صالح حنتوس لم يكن مجرد إنسان عادي، بل كان رمزًا للثبات والإيمان، فقد اختار في لحظة مصيرية أن يكتب دمه آخر سورة في حياته، تاركًا خلفه إرثًا لا يُنسى من الشجاعة والمثابرة
في قرية صغيرة من قُرى ريف ريمة، حيث تلتقي الجبال مع السماء، عاش الشيخ صالح حنتوس، الذي أصبح اسمه يُذكر في مجالس الشجاعة والإيمان. لم يكن الشيخ مجرد معلم للقرآن، بل كان مثالًا حيًا للكرامة والعزة. في زمنٍ يتعرض فيه الكثيرون للضغط والإرهاب كان الشيخ يقف كالجبل، متمسكًا بكتاب الله، متحديًا كل أشكال الظلم. ولكن كيف يمكن لكلمات بسيطة أن تصف حياة رجل عاش من أجل الله ومات في سبيله؟
وُلِد الشيخ صالح في عائلة بسيطة، حيث كانت القيم الدينية والأخلاقية تشكل اللبنة الأساسية لتربيته. منذ صغره أظهر شغفًا كبيرًا بالقرآن الكريم وكان دائمًا ما يُشغف بسماع تلاوة آياته. نشأ في بيئة تُعلي من شأن العلم وتغرس في نفوس الأجيال الجديدة حب الله وكتابه
عندما بلغ الشيخ سن الشباب بدأ بتعليم الأطفال في قريته معاني القرآن الكريم. أصبح بيته ملاذًا آمنًا للطلاب الذين يتوقون لتلقي العلم، فكان يفتح أبوابه لهم بكل حب، يروي لهم قصص الأنبياء ويعلمهم كيف يكونون أفرادًا صالحين في مجتمعهم. كانت أصواتهم تتعالى بالتلاوة، تملأ المكان بالسكينة والطمأنينة.
على الرغم من حياة الهدوء التي عاشها الشيخ، إلا أن الأوضاع السياسية في بلده بدأت تتدهور. ومع تصاعد الصراعات والنزاعات، كان الشيخ صالح حنتوس ينظر إلى الوضع بقلق لكنه لم يفقد إيمانه. كان يذهب إلى المسجد يوميًا ليصلي ويشجع الناس على الصبر والثبات، مؤكدًا لهم أن الفرج قريب وأن الله لا ينسى عباده.
في يومٍ مشؤوم تصاعدت حدة القتال في المنطقة وبدأت الجماعات الحوثيه تسيطر على القرى، بما في ذلك قريته. كانت الأجواء مشحونة بالخوف والقلق، لكن الشيخ لم يكن ليصمت. بدلاً من ذلك، قرر أن يواجه الواقع بشجاعة، وأن يكون صوتًا لمن لا صوت لهم.
بينما كان الحوثيون يعلنون عن إطلاق صواريخهم "نصرة لغزة. اتجهت مدافعهم نحو بيت الشيخ صالح. كان البيت الصغير، المصنوع من الطين يحمل قصة إنسانية عميقة. لم يكن هناك أي منصة صواريخ أو مخازن أسلحة، بل كان هناك فقط رجل مسن يُعلم الأطفال حب الله ومعاني القرآن.
حاصروه يومًا كاملًا. قطعوا عنه الماء والدواء قصفوا خزانات الماء، ومنعوا دخول الإسعاف، واستمروا في إطلاق النار حتى بعد أن توقفت المواجهات. لكنهم لم يستطيعوا أن ينتزعوا من قلبه كلمة استسلام واحدة
في تلك اللحظة الحاسمة صعد الشيخ إلى سطح منزله بشجاعة لا توصف، وأعلن للعالم بصمته: "اقتلوني هنا، اقتلوني واقفًا، فلن أهبط لكم أبدًا." لم يكن يخشى الموت، بل كان يراه بداية جديدة. كانت كلماته تملأ الأفق، وكأنها صرخة في وجه الظلم، تدوي في قلوب من سمعها. لم يكن في قلبه مكان للخوف، بل امتلأ بالإيمان والثقة بأن الله معه.
وعندما أطلقوا عليه قذائف مدفعيتهم، كانت روحه تطير نحو السماء، تاركًا خلفه مصحفًا مفتوحًا عند آية: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ﴾. كانت تلك الكلمات تجسد إيمانه الراسخ، وتؤكد أنه لن ينحني أمام الظلم، بل سيبقى ثابتًا كالجبل.
لقد مات الشيخ صالح حنتوس واقفًا، مرفوع الرأس، حرًا من كل قيودهم. ترك لنا درسًا عظيمًا لا يمحوه الزمن: أن من عاش عمره للقرآن، لا يموت إلا عزيزًا، حتى وإن اجتمع عليه أهل الأرض بسلاحهم. إن قصة الشيخ ليست مجرد سرد لأحداث، بل هي دعوة للتأمل في معاني الإيمان والثبات. هي دروسٌ في الصبر والأمل، تذكرنا بأن الإنسان مهما عانى، لا بد أن يبقى متمسكًا بمبادئه وقيمه.
في الختام إن صمود الشيخ صالح حنتوس أمام الموت يُعبر عن قوة الإيمان وثبات الروح في وجه التحديات. إن كلماته الأخيرة، التي تعبر عن العزة والكرامة، ستظل تردد في قلوب الأجيال القادمة. علينا أن نتذكره كرمز للشجاعة والإيمان، وأن نستمد من قصته قوة لنواجه صعوبات الحياة. عندما يتحدى الإنسان كل الظروف من أجل مبادئه وقيمه، فإنه يترك أثرًا خالدًا في قلوب الناس. الشيخ صالح حنتوس لم يكن مجرد شيخ، بل كان رمزًا حيًا للإيمان ودرسًا في الشجاعة والعزة درسًا يحتاجه كل واحد منا ليكون قادرًا على مواجهة تحديات الحياة.