مقالات صحفية


حين سقطت الممانعة... ووقفت بغداد

الثلاثاء - 24 يونيو 2025 - الساعة 09:44 م

م. مشتاق هاشم العلوي
الكاتب: م. مشتاق هاشم العلوي - ارشيف الكاتب



لم تكن إيران تراهن على الانتصار، بل على الزمن. وكانت تدرك أن صمودها لا يقوم على مواجهة مباشرة، بل على تشتيت ساحات الاشتباك وتوزيع كلفة الرد. ولكن حين دقت ساعة المواجهة الأولى المباشرة مع الكيان الإسرائيلي، لم تفكر طهران كيف تنتصر، بل كيف تخرج بأقل كلفة دون أن تفقد رمزيتها الإقليمية التي صنعتها بأيدي الوكلاء، وبدماء عربية.

ظن المخدوعين بمشروع إيران أنها سترد أي اعتداء يقع عليها بالمثل. لكن الواضح أن هؤلاء لم يفهموا قواعد الاشتباك التي وضعتها طهران لنفسها طيلة عقدين. فالرد الإيراني ليس ردة فعل، بل إدارة توازن، وهذا التوازن لا يبنى على الرغبة في الثأر، بل على الاحتفاظ بأوراق الدور، ولو بالتراجع المؤقت. لكن السياسة لا ترحم المتردد، والرمزية لا تتحمل صمتًا طويلًا حين تكون القاذفات قد سبقتها بأيام...!

وجدت إيران نفسها وحيدة في الميدان، ليس لأن حلفاءها تخلوا عنها، بل لأنهم لم يكونوا جزءًا من هذه الحرب أصلًا...؟ لأن هذه المعركة لم تكن كما خططت لها طهران، ولم تبدأ من غزة، ولا من الضاحية، ولا من مأرب. بل بدأت في أجواء أصفهان، وجاءت الضربة من الجو، لا من الشارع. وهنا انكشفت الفجوة العميقة بين مشروع المقاومة، كخطاب تعبئة إقليمي، وبين حقيقة الدولة، ككيان يختبر في الجغرافيا، والسيادة، والدفاع.

أمام هذا الاختبار، لم تصمد الممانعة، بل دخلت في حسابات دقيقة، ومع أول صاروخ استهدف العمق، تحولت النبرة من التهديد بـ"إزالة الكيان" إلى خطاب المصالحة القائل: "نعلن وقف الرد إن توقف العدو". ولم تكن هذه لغة ضعف فقط، بقدر ما كانت لحظة حساب باردة، أدركت فيها طهران أنها تستطيع تحريك أذرعها في أربع عواصم عربية، لكنها لا تملك رفاهية الرد من مركزها دون أن تعرض النظام للخطر..!

وفي هذا التحول، بحد ذاته، لم يكن انهيارًا في التوازن العسكري فقط، بل انكشافًا في سردية استمرت لأربعة عقود. فبعد الترويج لفكرة الممانعة، وتصدر المرتبة الأولى في الصراخ ضد أعداء الأمة كما تسميهم طهران، كان يفترض أن يتم معاقبة هؤلاء الأعداء من جحيم الإنجازات العسكرية التي حققتها الثورة المباركة خاصة وقد تم تجريب كل أنواع الأسلحة التي تمتلكها، وأثبتت فاعلية كبيرة حين استخدمت ضد النساء والأطفال في بلداننا العربية، لا ضد العدو الذي لطالما هددت به..!

وأمام هذا الانهيار السريع للقوة الإيرانية الوهمية نتذكر صمود العراقي أمام التحالف الدولي عند غزو العراق في العام 2003م وقد كان العراق يعاني من عزلة دولية لأكثر من 13عامًا، لكنه وقف بشجاعة أمام القوة العالمية وقاوم حتى اللحظة الأخيرة. كان صدام حسين يرفض التفاوض بعد إهانة الكرامة، وفي ذروة اشتداد الحصار، قاتل قتال الأبطال، رغم أن الجبهة كانت شاملة، ورغم أن الأرض كانت محاصرة من كل الجهات...! ولكن عراق المجد والعروبة لم يذهب إلى الوساطة، ولم يقبل بفتح قناة اتصال مع الشيطان الأكبر، بل بقي حتى النهاية في موقع الخصم لا في موقع المُتفاهم.

إن المقارنة بين صمود العراق أمام القوة العسكرية العالمية، وبين إنكشاف عورة مشروع الممانعة الخمينية أمام إسرائيل يكشف لنا حقيقة مهمة وهي: "أن الفرق بين الدول لا يقاس بحجم العتاد أثناء الإستعراض، بل بموقفها حين تنهار جدرانها الأولى". وإيران اليوم، رغم صواريخها ودقتها ودهائها، اختارت أن تحمي قلبها بالصمت، وتدير الأزمة بلغة مخففة، ترضي الحلفاء وتستبقي الدور، لكنها لا تبقي للكبرياء أي وجود..!

أما عراق صدام… فقد خسر الجغرافيا، لكنه ترك سردية لا تزال قادرة على إحراج أنظمة كاملة. وهذه سردية تقول: إن الدول لا تصنع بالصراخ، بل بالموقف. ولا تقاس قوتها بعدد الحلفاء، بل بلحظة الوقوف الأخيرة. وما بين إيران وصدام، يعاد تعريف ما تعنيه "الدولة". فإما أن تكون كيانًا يحكم، ويواجه، ويموت واقفًا. أو تكون مشروع نفوذ يعيش على ظهر غيره، ويموت بهدوء حين يُضرب في قلبه.

وفي زمنٍ تسقط فيه السرديات تحت أول اختبار، يجب أن يتساءل اليمني المخدوع بـ"مشروع الممانعة" أي مستقبل ننتظره، إن كانت طهران، عاصمة المشروع ذاته، قد اختارت النجاة لنفسها وتراجعت حين مسها اللهيب...؟ ولماذا نقبل أن تبقى صنعاء رهينة لمشروعٍ فقد شرعية مقاومته الزائفة، وافتضح أمام أول امتحان لكرامته السيادية...؟

لقد آن لليمني أن يتحرر من الخديعة، وأن يدرك أن الجمهورية لا تستعاد من الكهوف، ولا تؤسس تحت ظلال البنادق المستأجرة، بل تبعث من موقف يشبه وقوف بغداد في وجه الطوفان… إما النصر أو الشهادة. ومن إرادة صادقة تقاوم الهزيمة، ولا تتأقلم معها. فالجمهورية لا تموت حين تغتصب، بل عندما لا يجد أبناؤها في قلوبهم الشجاعة الكافية لاستعادتها.




شاهد ايضا


في يومها الـ 628 .. أبرز تطورات الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة ...

الأربعاء/25/يونيو/2025 - 11:49 ص

تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، لليوم الـ 628 عبر القصف الجوي والمدفعي، وقتل المجوّعين والنازحين بدعم سياسي وعسكري أ


تقرير أممي يكشف انهياراً متسارعاً للريال اليمني وتصاعد واردات الوقود ف ...

الأربعاء/25/يونيو/2025 - 11:22 ص

كشف تقرير أممي حديث عن تفاقم الأزمة الاقتصادية والإنسانية في اليمن، مع تدهور سريع لقيمة الريال اليمني وارتفاع حاد في أسعار الوقود والمواد الغذائية، خا


الحوثيون يوسّعون قبضتهم على التعليم: تغييرات قسرية في رئاسة جامعتين أه ...

الأربعاء/25/يونيو/2025 - 11:02 ص

في خطوة تعكس استمرار مساعيها لإحكام السيطرة على المؤسسات التعليمية والأهلية، فرضت مليشيا الحوثي تغييرات جديدة في قيادة جامعتين أهليتين بارزتين بالعاصم