مقالات صحفية


إيران بين الهالة الإعلامية والانكشاف الاستراتيجي: تحليل في بنية القوة والسردية

الثلاثاء - 24 يونيو 2025 - الساعة 01:43 م

د. عبدالقادر لطف الخلي
الكاتب: د. عبدالقادر لطف الخلي - ارشيف الكاتب




1. تفكيك سردية "القوة الإيرانية"

اعتمدت الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ سقوط بغداد عام 2003 على بناء سردية إعلامية مفادها أنها القوة الإقليمية الأولى، القادرة على مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل.

هذه السردية استُخدمت كأداة دعائية وظيفتها تعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة، مستغلةً شعارات "المقاومة" و"الردع النووي" لبسط الهيمنة على العواصم العربية، وليس لمواجهة خصومها الفعليين.



---

2. مفارقة المركز والأذرع: قوة الوكلاء تفوق المركز

المفارقة الجوهرية في الاستراتيجية الإيرانية هي أن ما يُصوَّر كقوة "مركزية" في طهران لم يكن سوى واجهة إعلامية، بينما كانت القوة الحقيقية تكمن في الميليشيات والوكلاء الذين زرعتهم طهران في العراق، سوريا، لبنان، اليمن، وغزة.

هذا النمط خلق اختلالاً في التوازن الداخلي: أذرع قادرة على الصراع، ومركز عاجز عن المواجهة المباشرة.



---

3. حرب الأيام الـ 12: انهيار السردية

في أول اختبار مباشر واسع النطاق منذ عقود، لم تصمد إيران أكثر من 12 يوماً في مواجهة إسرائيل، رغم عقود من التهديد والوعيد، في حين أن غزة، بعُدة أقل، تخوض معركة مفتوحة منذ أكثر من 600 يوم.

هذا الانهيار السريع كان بمثابة صدمة لأنصار إيران، وفضح هشاشة سرديتها "النووية"، وكشف محدودية قدراتها في المواجهة الحقيقية.



---

4. العداء الوظيفي: ضد الجوار لا الاحتلال

الثابت في العقيدة الأمنية الإيرانية أن الاستخدام الفعلي للقوة وُجِّه للعالم العربي، لا لإسرائيل أو الولايات المتحدة.

من بغداد إلى دمشق إلى بيروت، كانت طهران تستخدم أدواتها لقمع إرادة الشعوب العربية، لا لتحرير فلسطين.



---

5. طهران تحت شروط ترمب وصمت أمام نتنياهو

في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، رضخت إيران لشروط "أقصى الضغط"، ولم تقم برد حقيقي على اغتيال قاسم سليماني أو الانسحاب من الاتفاق النووي.

مؤخراً، لم تستطع الرد على ضربات إسرائيل المتكررة، والتي كانت تجري أحياناً لساعات، دون أن تحرك طهران ساكناً.



---

6. التداعيات الداخلية: الغضب الشعبي والانقسام

الخسارة العلنية في المعركة، مع انكشاف زيف ادعاء "الاستعداد الدائم"، تسببت في احتقان داخلي.

يتصاعد الغضب الشعبي على سنوات من الإنفاق العسكري والفساد الممنهج باسم "الخطر الخارجي".

من المتوقع تصاعد النزاعات داخل مؤسسة الحكم، وعودة دعوات استقلال من مناطق مثل الأحواز وبلوشستان وكردستان.



---

7. واشنطن والنظام الإيراني: تفكيك أم إعادة توظيف؟

يتردد سؤال استراتيجي في واشنطن: هل الأفضل إنهاء النظام الإيراني أم إعادة توظيفه لأدوار قذرة جديدة؟

في كلا الحالتين، من المتوقع استمرار الضغوط والعقوبات، والتدخل في مسار "خلافة خامنئي"، إما لضمان بديل أكثر مرونة، أو لإحداث شق في بنية النظام ذاته.



---

8. الخسارة المركبة: سقوط المشروع الإقليمي

لم تخسر إيران فقط هيبتها العسكرية، بل خسر معها أكثر من 60 ميليشيا تدور في فلكها، كانت تُستخدم لإرهاب العرب وقمع الثورات الشعبية.

المشروع الإيراني الوظيفي – الذي تواطأ مع قوى غربية في مراحل متعددة – أصبح اليوم مكشوفاً، فاقداً لتبريراته العقائدية والاستراتيجية.



---

خلاصة:

إن ما جرى لم يكن مجرد "هزيمة عسكرية"، بل بداية لتفكيك سردية القوة الإيرانية ذاتها. المشروع الإيراني – الذي طمح لأن يكون وريثاً للفراغ العربي – انهار في أول مواجهة حقيقية، وبات مصيره اليوم معلقاً بين الضغط الأميركي الداخلي، والغضب الشعبي المتصاعد، وتآكل شرعيته "الثورية".
الأيام القادمة ستكون حاسمة، ليس فقط لطهران، بل للشرق الأوسط بأكمله.




شاهد ايضا


مسؤول عسكري أمريكي: من المرجح أن يمثل الحوثيون مشكلة مستمرة لأمريكا ...

الثلاثاء/24/يونيو/2025 - 10:39 م

رجح مسؤول عسكري أمريكي كبير اليوم الثلاثاء، أن تشكل جماعة الحوثيين اليمنية مشكلة مستمرة للولايات المتحدة في المستقبل، حتى بعد التوصل لاتفاق أنهى حملة


حصاد المواجهة بين إسرائيل وإيران.. مكاسب وخسائر الطرفين ...

الثلاثاء/24/يونيو/2025 - 10:38 م

كشفت إذاعة الجيش الإسرائيلي، الثلاثاء، حصيلة المواجهة التي دارت بين إسرائيل وإيران بالأرقام، بما يشمل أعداد القتلى من الجانبين، ونتائج العمليات الهجوم


المواجهة الإسرائيلية الإيرانية و"الطلقة الأخيرة".. تطورات وقف إطلاق ال ...

الثلاثاء/24/يونيو/2025 - 10:05 م

وجهت إيران ضربات صاروخية نحو اسرائيل قبل ساعة من دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، فيما عنونت صفحات الإعلام الإيراني بأن "الطلقة الأخيرة" يجب أن