مقالات صحفية


التدخل الأمريكي المباشر: بين الممكن والمستحيل؟!

الأحد - 15 يونيو 2025 - الساعة 07:23 م

م. مشتاق هاشم العلوي
الكاتب: م. مشتاق هاشم العلوي - ارشيف الكاتب



في اللحظة التي تشتعل فيها السماء فوق تل أبيب، ويتسابق الإعلام الدولي لتحليل الصواريخ القادمة من إيران أو وكلائها، يبدو المشهد الإقليمي كأنه يعيد رسم الخرائط من تحت الركام؟ إن هذه ليست مجرد جولة جديدة في صراع قديم، بل هي تمظهر لعقود من التوازنات الملتبسة، ومن اختبارات التحالفات القديمة والولاءات المتحولة. إن ما يحدث اليوم ليس ابن اللحظة، بل هو ثمرة تراكمات لم نفهم معظمها حين كانت تصاغ بهدوء خلف الطاولات المستديرة... آخرها التقارب السعودي الإيراني الذي وُقع في بكين، حيث بدا كأنه ولادة سياسية مفاجئة، لكنه لم يكن كذلك لمن يقرأ الأحداث بعين الجغرافيا قبل الأيديولوجيا. ولقد قدمته الرياض كخطوة لخفض التصعيد، لكنه من زاوية أخرى كان عملية تحييد ناعمة، الهدف منها كسب الوقت وإبعاد النيران عن حدود المملكة في انتظار ما ستؤول إليه الصراعات الكبرى في المنطقة.

ذلك الصلح لم يمنح إيران مزيداً من القوة، ولم يمنح السعودية الطمأنينة الكاملة. بل ظل اتفاقاً هشاً يعكس طبيعة المرحلة: "تعايش مرحلي لا تحالف دائم". ومع اندلاع التصعيد الحالي، تتضح أبعاد هذا التكتيك أكثر فأكثر، حيث تجد طهران نفسها اليوم تتقدم خطوة إضافية في المواجهة مع إسرائيل التي قد تفتح أبواب الجحيم، بينما الرياض تكتفي بالمراقبة الحذرة دون أن تنخرط مباشرة، على الأقل حتى الآن. ووسط هذه المعادلة، يظل اليمن كالجمر تحت الرماد، حيث يستخدم كورقة تفاوض في بعض المحافل، وساحة تصفية في أخرى...! فالحوثيون، الذين يعملون لخدمة إيران تحت عنوان "الممانعة"، باتوا الآن أحد مفاتيح التصعيد؟ ليس لأنهم الأقوى، بل لأن جغرافيتهم أضحت بوابة عبور للرسائل الإقليمية الحـادة. وهذا التأزم يعني بأن خارطة الطريق التي تم صياغتها في الفترة السابقة لحلحلة الأزمة اليمنية لم تكن بريئة من الحسابات الدولية، وإنما كانت مشروع هدنة معلبة، تكفل للرياض الخروج بهدوء، ولإيران الاحتفاظ بورقتها.

لكن من يضاعف القلق في هذه اللحظة ليس فقط ما يجري، بل ما قد يجري مستقبلاً بعدما بدأت كرة النار تتدحرج نحو حروب متعددة، فالمواجهة المفتوحة بين إيران وإسرائيل قد تستعدعي أطرافاً كبرى مثل أمريكا بالتدخل المبـاشر، خاصة إذا تعرض أمن إسرائيل لتهديدات وجودية. لكن مثل هذا التدخل قد يفجر سلسلة تفاعلات لا تملك واشنطن السيطرة الكاملة على نهاياتها، بدايةً من الموقف الروسي في أوكرانيا، وصولاً إلى أعصاب الصين الباردة التي تترقب من بعيد، لكنها لا تنام على فكرة محاصرة مصالحها في المضيق أو المحيط.

الولايات المتحدة تعرف أنها إذا تدخلت مباشرة في توجيه ضربة كاسحة لإيران ستمنح الصين وكوريا الشمالية الذريعة للتحرك، أو على الأقل تبرّر لهما الحشد نحو تايوان، وكوريا الجنوبية. لكنها في الوقت ذاته، لا تستطيع أن ترى إسرائيل تترنح دون أن تتدخل، ولو بغطاء استخباراتي أو عبر تنشيط غرف الحرب البحرية في المتوسط والخليج، ما يعني أن واشنطن تبحث عن معادلة جديدة لحسم المعركة عبر تدخل محسوب لا يستفز التنين الصيني، ويكبح إيران دون أن تشتعل حرباً كبرى. هذه الحسابات المعقدة، تجعل إسرائيل في مأزق أخلاقي واستراتيجي. فهي تعلم أنها تقاتل في أكثر من جبهة، وقد تخسر إذا واجهت إيران دون مظلة أمريكية صلبة، لكنها أيضاً تدرك أن جر أمريكا إلى الميدان ليس سهلاً وقد يكون بمثابة إشعال الساحة الدولية كلها. لكن تل أبيب ليست من يجيد التراجع، ولا طهران من يجيد التقدير الدقيق قبل الطلقة الأولى. وبين هذا وذاك، تبدأ الحسابات بالانفلات، وتتعاظم خطورة المرحلة، وتزداد حساسية الموقف.

إن الإستمرار في التصعيد من جانب إسرائيل يؤكد الرغبة الكاملة بسحب القوة الأمريكية مباشرة للميدان، وهذا يضع أمام المتابع عدد كبير من الأسئلة التي تنتظر الإجابة عن طبيعة الإصرار الإسرائيلي على إدخال واشنطن في الخطوط الأمامية للمواجهة، وفي طليعة هذه الإسئلة: هل تثق إسرائيل بعدم رغبة الصين في خوض معركة عسكرية في تايوان؟ وهل لدى تل ابيب مايثبت إنشغال كوريا الشمالية في دعم مواجهة روسيا لحلف الناتو في اوكرانيا، وعدم قدرتها على فتح جبهة جديدة ضد كوريا الجنوبية، واليابان..؟ وما مدى إلتزام حلف الناتو بتعزيز الضغط العسكري على روسيا في اوكرانيا، ومنعها من الحصول على فائض قوة تدعم به إيران..؟ إنها أسئلة لا تحدد فقط مصير إسرائيل، بل مصير النظام الدولي بأكمله.




شاهد ايضا


مختل عقلياً يقتل شخصاً ويصيب آخر بوابل من الرصاص في رضوم بشبوة ...

الإثنين/16/يونيو/2025 - 12:57 ص

في حادثة مؤلمة فجع بها أبناء مديرية رضوم محافظة شبوة، بعد أن أطلق شخص يقال إنه مختل عقلياً وابلًا من الرصاص من سطح منزله الكائن بمدينة عين بامعبد، يدع


ولي العهد السعودي ورئيس الوزراء اليوناني يبحثان تداعيات عمليات إسرائيل ...

الأحد/15/يونيو/2025 - 11:41 م

بحث ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان، مع رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس مستجدات الأحداث في المنطقة وتداعيات العمل


بسبب الوضع الخطر.. اجتماع أوروبي لأجل الشرق الأوسط ...

الأحد/15/يونيو/2025 - 11:19 م

أعلن متحدث باسم الاتحاد الأوروبي الأحد، أن مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد كايا كالاس دعت إلى عقد مؤتمر عبر الفيديو لوزراء خارجية الاتحاد يوم الثلا