مقالات صحفية
تحولات الصراع الإيراني–الإسرائيلي: تفكيك القوة وتبدل هندسة الإقليم
الأحد - 15 يونيو 2025 - الساعة 08:48 م
مقدمة: تشهد المنطقة إعادة صياغة دقيقة لموازين القوة، حيث بات الصراع بين إسرائيل وإيران يتخذ أبعادًا تتجاوز النطاق العسكري إلى ما هو أعمق: إعادة تشكيل المنظومة الإقليمية عبر أدوات مباشرة وغير مباشرة، برعاية ضمنية من عواصم عربية نافذة.
في هذا السياق، تتبدى ملامح مشروع يستهدف تفكيك البنية الاستراتيجية الإيرانية، وردم الفراغ بمشهد بديل، قد لا يبدو ظاهرًا، لكنه حاضر بقوة.
---
أولاً: تحييد القدرة النووية والصاروخية الإيرانية كأولوية استراتيجية
العمل العسكري الإسرائيلي يهدف إلى تحييد القدرات الاستراتيجية الإيرانية، لا سيما البرنامج النووي والمنظومة الصاروخية.
هذا المسعى يأتي ضمن تصوّر أوسع يتعامل مع إيران كقوة إقليمية فائضة التهديد، تستوجب تفكيك أنيابها.
العمليات العسكرية تُدار وفق تقدير دقيق لتكلفة الضرر مقابل العائد، مما يفسر محدودية الرد الإيراني المباشر.
---
ثانياً: زعزعة الداخل الإيراني كمسرح رديف للمواجهة
ثمة توجه نحو إحداث اختراقات داخلية في البنية الإيرانية، تستهدف تسريع عوامل التغيير السياسي والاجتماعي.
بيئة المعارضة الإيرانية، وإن بدت هامشية في الصورة، تحظى بدعم استخباراتي وإعلامي يعيد تأهيلها كبديل مستقبلي.
الضغط على النظام لا يتم فقط عبر المواجهة العسكرية، بل من خلال تعرية شرعيته داخليًا، وتحفيز موجات الغضب الشعبي المتراكمة.
---
ثالثاً: مباركة عربية ضمنية رغم الخطاب العلني
الدول العربية، وعلى رأسها بعض القوى الخليجية، تبدي دعمًا غير معلن للتصعيد الإسرائيلي ضد إيران.
في حين تدين هذه الدول "العدوان" في تصريحاتها الرسمية، فإنها تُوفّر الغطاء السياسي والإعلامي للضربات، وربما تشارك استخباراتيًا.
هذا السلوك يعكس تحالفًا موضوعيًا لا يمكن تجاهله، حتى وإن لم يُقر به صراحة.
---
رابعاً: ضعف الرد الإيراني وسقوط ادعاء القوة
خسائر إسرائيل من الهجمات الإيرانية محسوبة بدقة، وغالبًا ما تدخل ضمن معادلات الحرب المحتملة مسبقًا.
يظهر الرد الإيراني خاضعًا للضبط الاستراتيجي، ويخلو من عنصر المفاجأة، مما يطرح تساؤلات حول جدية خطاب "الردع".
من الواضح أن إيران ليست بالقوة التي تدّعيها على منابرها، بل تعتمد على صورة إعلامية أكثر منها ميدانية.
---
خامساً: انكشاف الأدوات الإقليمية و"رخص" بعضها
اللافت في هذا السياق هو صمت أدوات إيران التقليدية مثل حزب الله والمليشيات العراقية، ما يثير شكوكا حول فعالية محور المقاومة.
في المقابل، يبرز الحوثي كأداة وحيدة تتحرك – وإن بتهور – في مسرح الهامش اليمني، محاولاً التشويش دون قدرة على التأثير الحقيقي.
هذه "المشاغبات العدمية" لا تضيف سوى الأعباء على جماعة أُنهكت شعبيًا وسياسيًا، وهي تقترب من لحظة تآكل نفوذها داخليًا.
---
سادساً: نحو نظام إقليمي جديد بلا إيران التوسعية
تعكس هذه التحركات بداية نظام إقليمي جديد، يُقصى فيه النفوذ الإيراني أو يُحد من تمدده بشدة.
إسرائيل، بدعم ضمني من قوى عربية، تتهيأ لتزعم النظام الإقليمي الجديد عسكريًا وأمنيًا وحتى اقتصاديًا.
المنظومة الجديدة تستند إلى مبدأ "الردع الوقائي" واستئصال القوى غير المنضبطة، وفي مقدمتها إيران.
---
خاتمة: إن ما يجري ليس مجرد مواجهة عسكرية، بل مشروع لتفكيك وتموضع شامل، عنوانه: شرق أوسط بلا طهران المتمردة. والمفارقة أن أغلب ملامح هذا المشروع تُنفذ بتواطؤ صامت، أكثر مما تُشن عبر جبهات مفتوحة.
الرهان الحقيقي لم يعد في صواريخ تُطلق أو تُعترض، بل في إعادة هندسة الإقليم بفاعلين جدد، وبخرائط تحالفات تُرسم الآن على الورق، وقد تُطبع غدًا في الواقع.