مقالات صحفية
الشرق الأوسط يحترق... وكذبة إيران الكبرى: متى يستيقظ العقل العربي؟
الثلاثاء - 17 يونيو 2025 - الساعة 09:52 م
يشهد الشرق الأوسط اليوم مرحلة حرجة من الصراعات والحروب التي تحرق أرضه، وسط تنازع مصالح إقليمية ودولية، وتحالفات متغيرة تتدخل فيها الحسابات السياسية والعسكرية، وفي خضم هذا الواقع، برزت الكذبة الكبرى التي تمثلها إيران، التي لعبت دورًا محوريًا في إطالة أمد النزاعات عبر دعمها لميليشيات طائفية وزعزعة الاستقرار، ما يطرح تساؤلًا يتوجب التفكير به دوماً: متى يستيقظ العقل العربي من سباته الطويل ليعيد رسم ملامح المستقبل؟
-
التضخيم الإعلامي والتباهي بالأكاذيب لا يجعلك منتصرًا، لا على أرض الواقع ولا معنويًا. وإن إدراك مكانك وقدرتك الحقيقية يجعلك تسعى بجد لحماية نفسك من الواقع المفروض، ولهذا يزداد يقيني أن العرب حقًا أذكياء ويدركون أنهم لن يدخلوا حربًا إلا بالخروج منها منتصرين، فالحرب بالخسارة أو الخروج بأقل الأضرار ليست الغاية الكبرى، بل النتيجة الحاسمة لحرب كبرى أو انتصار حقيقي يفرض الواقع هو الإرادة العربية.
-
الخطأ التاريخي في تقدير العرب لمكانتهم، أخطأ العرب في تقدير العالم بعد وقبل الحرب العالمية الأولى والثانية، وقراءة وضعهم الجديد أمام القوميات والاستعمار الذي ما زال يحتل أجزاء كبيرة من بلادهم، وبعضها كانت أيضًا تحت الانتداب والوصاية، ثم منها من استطاعت الولادة كدولة جديدة لم تكن حقًا تمتلك الموازين والمواد التي تؤهلها لقيادة حرب خارجية، رغم أن الاحتلال للبلدان العربية لم يأتِ إلا نتيجة لعدم إدراك الأتراك العثمانيين لأهمية العرب في أن يكونوا أقوياء، فقد جعلوهم فعليًا عميانًا وبعيدين عن الشؤون السياسية والعسكرية، حتى فُرض عليهم واقع جديد مع تطور الأسلحة الغربية وظهور الدول القومية الليبرالية والاستعمارية.
-
هزيمة العرب ونكبة 48 وبداية الإدراك السياسي. انهزم العرب في أول حرب غير متكافئة نتيجة لعدم حسبان العوامل الداخلية وموازين القوى والخلافات فيما بينهم، حتى جعلت منهم النكبة في فلسطين وهزيمة حزيران أمام إسرائيل، يدركوا أهمية سياسات الواقع في رسم مسار التحالفات الغربية، والتي أصبحت هي من تحكم العالم والدول. وبالفعل أصبحت خلال هذه الفترة في أوج قوتها في كافة المجالات؛ قاد الغرب ثورة تكنولوجية واقتصادية وعسكرية وثقافية وسياسية واجتماعية، حتى أصبحوا أسياد العالم، وضعوا إسرائيل كي يضمنوا أن الأمة الإسلامية والعربية أصيبت بجرثومة قوية لن تستطيع القيام بعدها أو النهوض بثقافتها الخاصة.
إن العرب في تاريخهم القديم والوسيط، هم أساتذة العلوم العسكرية، وهم في الشؤون السياسية سلاطين المنطقة، ولا عجب أن يسهر الغرب، بما فيهم روسيا وأمريكا المتصارعتان على رقعة النفوذ والمصالح في العالم، على مراقبة العرب ليلًا ونهارًا.
-
الاستعمار خرج جسديًا وبقي عقليًا استطاع العرب طرد الاستعمار جسديًا، لكن لم يطردوا عقليته من رأس السلطة والعقل العربي، لذلك استمر الاستعمار بصورته السياسية الخفية باسم السفارات والدبلوماسية يحكم الشعوب العربية، ورغم ذلك، حاول العرب الخروج من هذا الاستعمار، فقد كانت ثورة صدام أحد إرهاصات ثورة العقل العربي، ثم جاءت الثورات العربية ضد الحكام الديكتاتوريين الذين أصبحوا على وعي تام بطريقة الاستعمار وأساليبه.
-
أساليب الغرب في تخدير العقل العربي.
جعل الغرب في البلاد العربية جرثومة نافعة وجرثومة ضارة: الجرثومة النافعة بالنسبة للغرب هي نظام الملالي في إيران، والسياسة الشيعية التي تروج للوهم والتضليل الإعلامي والتفخيم والتباهي بشيء أصغر من حقيقة الواقع بكذبة صغيرة جعلوها كبيرة جدًا. وإسرائيل، الجرثومة الضارة بالنسبة للعرب، تستنزف طاقاتهم وتمزق شعوبهم بورقة الضغط الإسرائيلي، هذا الكيان الوظيفي للمشروع الغربي.
الجرثومة النافعة للغرب زرعت ميليشيات وطائفية وعداءً مصطنعًا لإسرائيل وأمريكا، لتنفيذ مشروعها الطائفي، بالاعتماد على خطابات رنانة بعيدة عن الواقع، وكان الغرب مستفيدًا منها بزعزعة أمن المنطقة وتأخير تقدمهم. وخلال هذه الحقبة والعقود منذ قيام الثورة الإيرانية 1979م، عملت إيران على زرع الفتن والطائفية وبناء بيوت عنكبوت وهمية من ميليشيات تفسد العقل العربي لتحقيق مشروع هيمنتها إعلاميًا دون تنفيذه على أرض الواقع، بكذبة كبرى مصطنعة من مشروع كهنوتي ضعيف هش من أساسه.
والجرثومة الضارة للعرب إسرائيل، الدولة الوظيفية للغرب، القاعدة المتقدمة، وُجدت أساسًا لقتل أي مشروع عربي، واستطاعت أن تقتل المشروع القومي العربي بمقتل زعيمه جمال عبد الناصر، واستمرت كذلك لتتغذى على الصراعات والنزاعات وخلق الكثير من الفوضى للعرب والمسلمين لأجل عدم قيام مشروعهم وحضارتهم العربية الإسلامية العريقة والعملاقة بمنظومتها المتكاملة ثقافيًا.
- طوفان الأقصى وبداية الصحوة العربية.
عدة حروب عربية–إسرائيلية كانت نتيجتها محسومة من الأساس، وخرج العقل العربي بدبلوماسية شبه منتصرة، بدايتها مع مصر والأردن ثم الفصائل الفلسطينية بعد الانتفاضتين وتوقيع اتفاقية أوسلو التي لم تحقق أي نوع من السلام، ولا حتى استفاد الشعوب العربية من إرادة السلام بمبادرتها: الأرض مقابل السلام.
استطاعت القوة الغربية والحركة الصهيونية من تكوّين الكيان، وأصبح الأول عسكريًا واقتصاديًا في الشرق الأوسط، وحاضر ليهيمن على الاقتصاد العربي ويجعله يمحو القضية الفلسطينية ليكون ضمن الكيان العربي، والآفة المتحكمة بإرادته تحت مسمى "التطبيع" بمساعي السلام الأمريكي.
رغم ذلك، رأت الدول الغربية وجرثومتها الضارة حركة شرارة للعقل العربي لاستعادة ذاكرته التاريخية، وزرع بذرة لهذه الأمة بأنها حقًا ربان العلوم العسكرية والسياسية.
بدأت بتخطيط السنوار، من اسمه، كان النار التي أحرقت ستار هذا النظام العالمي، والقناع الوجهة الغربية بكذبة القانون الدولي والإنساني، وكشفت حقيقة مجريات المسرح بهندسة "طوفان الأقصى".
"طوفان الأقصى"، الذي كان في السابع من أكتوبر، كان طوفانًا رمى بالجميع، والقائمين على المشروع الغربي، بما فيهم أمريكا وجرثومتها إسرائيل والدول الغربية، ليعلن أن العرب على أبواب صحوة، وأدرك الغرب أن هذه الصحوة هي حقًا الأخطر، وأن الاستسلام لهذا الطوفان يعني بداية قيام المشروع العربي الإسلامي، الذي لن يسمح لهم أن يعلوا على أركانه ومبادئه وشجاعته وأخلاقه وهيبته وإرادته الصلبة.
- السقوط الإيراني والخيبة الشيعية. تدارك الغرب بعد عملية الرد الإسرائيلي وتعرّت مبادئ النظام الدولي وقوانينه الدولية والإنسانية، وظهرت أنياب سفّاك الدماء نتنياهو بوحشية قوية لإبادة جماعية ومسح كلي لمدينة غزة، وهو الأمر الذي يجعل العرب يستشعرون بمكانهم وواقعهم وإعادة التفكير بما يتوجب عليهم القيام به في ظل الواقع المفروض، وهو الأمر الذي يمكن من خلاله الاتجاه تلقائيًا من الصحوة إلى اليقظة ثم النهضة، وهو الخطر الحقيقي بالنسبة للغرب.
لذلك، كما عملت إيران على جعل هذه القضية بوابة جذب وانتباه ووسيلة لغايتها ومشروعها الخرافي، أدرك الغرب أن هذا الطوفان يجب أن يُغلق بتغيير ملامح الشرق الأوسط، وهو ما صرّح به نتنياهو عدة مرات بتغيير وجه الشرق الأوسط.
في ظل الأحداث والتشققات التي صنعها الطوفان، سقط نصر الله بوهلة مخزية وباختراق كبير، وبتجاهل من إيران التي وقفت موقف المتفرج في معركة لبنان، وسقطت سوريا، والآن تسقط إيران بالتهويل والأكاذيب، وأثبتت أنها هي بيت العنكبوت الحقيقي، لم تستطع فرض معادلة أو سقف اشتباك حقيقي في هذه المعركة منذ اليوم الأول، وأثبتت أنها تقاتل بسيف من خشب أمام سياف من فولاذ.
-
المشروع الغربي في وجه المشروع العربي.
قواد المشروع الغربي أرادوا قتل المشروع العربي واستحواذه من أي بذرة تنذر بانبعاثه، سعوا لقتل هذه الصحوة كي لا يكون للعرب ممر، ولن يتم ذلك إلا عبر إزالة وهم إيران وتفريغ المنطقة لتكون إسرائيل هي حقًا وحدها شرطي المنطقة، بالنسبة للمشروع العربي، فإن منع إيران من امتلاك نووي وقتل عربدتها حلم، لكن ليس على حساب إرادتهم وربط أعناقهم لرحمة جلاد أمريكا والغرب اليهود المغتصبين الصهاينة.
-
محمد بن سلمان هو العقل العربي في المشروع الجديد، طلب محمد بن سلمان الحصول على سلاح نووي إذا حصلت عليه إيران، شكّل تهديدًا فعليًا للمشروع الغربي. والغرب أرادوا إنهاء هذا التحدي بوضوح: لا نووي لأي دولة في الشرق الأوسط، مع محاولة تقويض الدول في المنطقة التي تمتلك النووي أيضًا وجعلها مهددة من قبل الهند كونها غير آمنة.
-
السيناريوهات القادمة المحتملة: إيران، من خلال مجريات المعركة اليوم وبردّها البارد والمحدود والضعيف على إسرائيل التي تكبدتها خسائر فادحة وواقعية، جعلت احتمالات تدخل حلفائها: الصين وروسيا وغيرها من الدول الاخرى، صفرية في المعركة، رغم بعض السيناريوهات الممكنة:
1- الخروج دون إسقاط التوازنات: بقاء النظام الإيراني مع إضعافه.
2- إزالة النظام الإيراني تمامًا وتفرّد إسرائيل بالمنطقة، لتقول أمريكا للعالم إنها هي النظام الدولي والقانون والقطب الوحيد الحاكم، وهو أمر يطرح واقع إرادة أمريكية محتملة لردع الصين وروسيا من منافستها في الحكم العالمي، وهو أمر مقبول.
3- وسيناريو آخر هو تدخل صيني–روسي لإقامة بديل آخر يوازي إسرائيل في المنطقة بمشروع تحالف إسلامي وعربي جديد بقيادة السعودية وتركيا وباكستان ومصر والدول الأخرى.
وهذا السيناريو الأخير هو الأضعف، لكنه الأكثر أملًا في تحقيق اليقظة العربية، وهو ما تعمل عليه الصين من خلال توسيع شراكاتها مع الدول العربية والآسيوية.
-
الخاتمة: متى يستيقظ العقل العربي؟ إيران أثبتت أنها كذبة كبرى في معادلة الشرق الأوسط، والإجابة عن سؤال: متى يستيقظ العقل العربي؟ باتت مرهونة بقدرة العرب على تجاوز أثر كذبة إيران ومواجهة الحقيقة، وبناء مشروع عربي قائم على الوعي، والإرادة، والسيادة الحقيقية.