من ثوار إلى تجار: نقد الثورة اليمنية المسروقة وإرادة العودة إلى الميدان

الأحد - 08 يونيو 2025 - الساعة 09:20 ص

الكاتب: د. عبدالقادر لطف الخلي - ارشيف الكاتب

مقدمة:
عندما تندلع الثورات، فإنها تفتح الباب أمام لحظة أخلاقية فارقة، حيث تُعاد صياغة العلاقة بين الشعب والسلطة، وبين القيم والمصالح. غير أن الثورة اليمنية في 2011 سرعان ما تحوّلت إلى بازار سياسي، اقتسمت غنائمه نخب محددة. اليوم، وبعد أكثر من عقد، يعيش اليمن في حرب متعددة الرؤوس، بينما ثوار الأمس يجوبون العواصم سفراء، أو يديرون مشاريع تجارية ممولة، أو يغيبون في صمت المنفى. فهل هؤلاء هم من سيقود الثورة الحقيقية مجددًا؟ وهل ثمة إمكانية لاستعادة مشروع وطني بعد هذا السقوط الأخلاقي والسياسي؟

---

أولًا: من شعارات الثورة إلى هندسة المنافع

1. شعارات مثالية، نهايات انتهازية:

انطلقت ثورة 2011 بشعارات ضد الفساد والاستبداد، مطالبة بدولة مدنية.

إلا أن بعض قادة هذه الثورة سرعان ما دخلوا في تسويات سياسية أو استلموا أثمانًا باهظة.

2. الثمن المدفوع: أموال ومناصب لا مشروع وطن:

ملايين الدولارات قُدمت عبر دعم دولي تحت بند "التحول الديمقراطي".

تم تعيين شخصيات ثورية كسفراء، مستشارين، أو حصلوا على تسهيلات تجارية واستثمارية في الخارج.

غابت المحاسبة، وحلّت مكانها شبكة مصالح بديلة.

---

ثانيًا: المنفى المرفّه مقابل الوطن المنكوب

1. ثائر في باريس، وجائع في تعز:

يُحدثك بعضهم من شرفات الفنادق في العواصم عن "قرب النصر"، بينما المواطن في الداخل اصبح يبحث عن الماء والغاز، والدواء، والخبز ، والكهرباء.

بينما من كانوا ثوار أما سفراء او تجار وأبنائهم في كندا ودبي وأنقرة والقاهرة .

2. استبدال الشعب بالتمويل:

الثورة فقدت جمهورها، لكنهم لم يفقدوا مانحيهم.

تم تحويل المشروع الثوري إلى ملف توزيع الكعة تتصارع عليها النخب في الخارج.

---

ثالثًا: الفساد الثوري – حين تتحول الثورة إلى رأس مال رمزي

1. رأسمالية الثورة:

تم توظيف هوية "الثائر" كعلامة تجارية تُستخدم في المنصات الإعلامية والدولية.

تحوّلت الثورة إلى رصيد تفاوضي، لا إلى مشروع تغيير.

2. المفارقة الأخلاقية:

من ناضل ضد الفساد، انتهى متورطًا فيه.

من نادى بالشفافية، أدار علاقاته على أساس الوساطة، لا الكفاءة.

---

رابعًا: هل يمكن للثورة أن تبدأ من جديد؟

1. إعادة تعريف الفعل الثوري:

الثورة الحقيقية ليست حدثًا، بل سيرورة نقدية ومؤسسية مستمرة.

تبدأ من محاسبة رموز الفشل قبل إسقاط الخصم السياسي.

2. الجيل الجديد كحامل للمشروع البديل:

الجيل الذي لم يشارك في 2011 ولم يتلوث بمنظومة المصالح هو المؤهل لطرح البديل.

شرط ذلك هو الخروج من هيمنة الرموز السابقة واستعادة المبادرة من القواعد.

3. لا إصلاح دون عودة:

العودة لا تعني فقط النزول إلى الميدان، بل التنازل عن الامتيازات التي تم شراؤها باسم الثورة.

من لا يتنازل عن أمواله أو منصبه لا يمكنه أن يدّعي تمثيل قضية الناس.

---

خامسًا: الثورة الثانية – من التوبة إلى التأسيس

1. الثورة التالية يجب أن تبدأ بنقد الأولى:

كشف من خانوا، ومن تاجروا، ومن لوّثوا الحلم.

لا يمكن بناء مشروع وطني دون تصفية الحساب الأخلاقي مع خيانة 2011.

2. ضرورة تفكيك البنية النفسية للثائر-المستثمر:

الثائر الحقيقي لا يراكم الثروة، بل يدفع الثمن.

نحتاج إلى عودة الوعي الثوري، لا استعادة الخطاب فقط.

3. المصالحة مع الشعب قبل المصالحة مع الخصوم:

لا يُمكن استرداد المشروع الوطني قبل أن يعتذر بعض رموزه للشعب.

فالإصلاح يبدأ من الداخل، لا من صالونات الفنادق ولا من مؤتمرات الشتات.

---

خاتمة: العودة شرط الشرعية

إن من يريد قيادة ثورة حقيقية، يجب أن يعود إلى الأرض التي أُريقت عليها الدماء، لا أن يبقى متحدثًا باسمها في مدن لا تعرف معنى الحصار. الثائر الذي اختار المال أو المنصب فقد مشروعيته، ولا يمكنه أن يقود ثورة ثانية. العودة ليست فقط واجبًا سياسيًا، بل شرطًا أخلاقيًا لبقاء المعنى نفسه. اليمن لا يحتاج إلى "ثوار محترفين"، بل إلى مواطنين غاضبين، واعين، ومستعدين لإعادة بناء وطن سرقه الجميع باسم الثورة.