مقالات صحفية
الفيتو الأمريكي... شراكة صريحة في جرائم الإبادة أم أزمة أخلاقية للنظام الدولي؟
الخميس - 05 يونيو 2025 - الساعة 03:22 م
1. الحدث: فيتو أمريكي جديد ضد وقف إطلاق النار
في مشهد بات مكرّسًا في السياسة الدولية، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي لإجهاض مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة.
القرار حصل على تأييد 14 من أصل 15 عضوًا في المجلس، في مقابل اعتراض أمريكي منفرد، رغم استمرار العدوان لأكثر من 600 يوم، وسقوط ما يقارب 60 ألف شهيد، معظمهم من النساء والأطفال.
2. التحول من الانحياز إلى الشراكة المباشرة
الموقف الأمريكي لم يعد يُصنّف في خانة "الانحياز السياسي التقليدي"، بل ارتقى إلى مستوى الشراكة الفعلية والمعلنة مع الاحتلال الإسرائيلي في كل ما يقوم به من:
تدمير للبنية التحتية.
قتل جماعي.
تجويع للمدنيين.
تهجير قسري وتطهير عرقي.
هذا التواطؤ يُعد انتهاكًا صريحًا لكل الأعراف والقوانين الدولية التي تجرّم استهداف المدنيين والأعيان المدنية.
3. الفيتو الأمريكي كأداة لتعطيل الشرعية الدولية
الاستخدام المتكرر للفيتو الأمريكي في القضايا الفلسطينية أفرغ النظام الدولي من معناه، وحوّل الأمم المتحدة إلى مؤسسة مشلولة الإرادة.
بتلك الممارسة، تتحدى واشنطن الإرادة الجماعية للأمم وتُقوّض ميثاق الأمم المتحدة، ما يعزز انطباعًا متزايدًا بأن "الشرعية الدولية" تُختزل في مشروعية القوة لا قوة القانون.
4. ازدواجية المعايير وتقويض أخلاقيات الوساطة
تُصر الولايات المتحدة على تسويق نفسها كـ"وسيط نزيه" في عملية السلام، رغم أن:
دعمها العسكري والمالي لإسرائيل غير مشروط.
مواقفها في مجلس الأمن دائمًا في صالح الاحتلال.
تجرّم أي انتقاد دولي لسياسات إسرائيل، بما في ذلك من قبل حلفائها الأوروبيين أو حتى مواطنيها.
هذه المعطيات تؤكد أن واشنطن لم تعد طرفًا وسيطًا، بل أحد أطراف النزاع وركيزة لاستمرار المأساة.
5. الفيتو كضوء أخضر لاستمرار المذبحة
الفيتو الأمريكي لا يُقرأ كاعتراض دبلوماسي فحسب، بل هو بمثابة توقيع رسمي على:
استمرار الحصار والتجويع.
قصف المستشفيات والمخيمات والمدارس.
استهداف كل أشكال الحياة المدنية في غزة.
6. انعكاسات دولية: تآكل صورة أمريكا وعزلتها الدبلوماسية
المواقف الأمريكية باتت عبئًا على سمعتها الدولية، خاصة:
في العالم العربي والإسلامي، حيث يُنظر إليها كـ"شريك في سفك دماء الفلسطينيين".
حتى حلفاؤها الأوروبيون بدأوا باتخاذ مواقف مغايرة علنًا، ما يكشف عن عزلة دبلوماسية متزايدة.
الدعم المطلق لإسرائيل يُفقد واشنطن صدقيتها الأخلاقية ويضعها في تناقض دائم مع القيم التي تزعم الدفاع عنها.
7. المعادلة الاستراتيجية: إسرائيل كعبء على المصالح الأمريكية
باتت إسرائيل تمثل عبئًا استراتيجيًا على الولايات المتحدة:
تُلزمها بمواقف تصادمية لا تخدم مصالحها.
تدفعها إلى مواجهة مع شعوب المنطقة، ومع الداخل الأمريكي نفسه، حيث تتوسع الاحتجاجات الطلابية والمجتمعية ضد هذا الانحياز.
المفارقة: حتى مع شعار "أمريكا أولاً" الذي ترفعه إدارة ترامب، لا تزال إسرائيل تُقدَّم على مصالح المواطن الأمريكي.
8. غياب الموقف العربي الموحد: رافعة الفيتو الصامتة
استمرار الفيتو الأمريكي يعود جزئيًا إلى غياب موقف عربي موحد يشترط العلاقة مع واشنطن باحترام الحقوق الفلسطينية.
الأنظمة العربية، للأسف، تفصل بين علاقاتها السياسية والاقتصادية مع أمريكا وبين مواقفها من القضية الفلسطينية، ما يشجع واشنطن على المضي دون خوف من الكلفة الإقليمية.
9. المطلوب: سياسة مصالح لا خطابات
الرد الحقيقي على الفيتو الأمريكي لا يكون عبر الشجب والبيانات، بل عبر:
ربط المصالح الاقتصادية والأمنية مع واشنطن باحترامها للشرعية الدولية.
تنسيق عربي موحد يفرض خطوطًا حمراء تتعلق بالقضية الفلسطينية.
استخدام أوراق القوة الكامنة في المنطقة: الطاقة، الأسواق، والموقع الجيوسياسي.
---
خاتمة: الفيتو الدموي... إلى متى؟
لقد آن الأوان للعالم، والعرب تحديدًا، أن يدركوا أن لغة القانون وحدها لا تكفي في مواجهة هيمنة الفيتو، وأن الضغط السياسي الفعّال لا يُمارَس إلا من خلال المصالح. فلا يمكن ردع واشنطن إلا حين تدرك أن دعمها المفتوح لإسرائيل سيُكلّفها الكثير، سياسيًا واقتصاديًا وأخلاقيًا