كيف ستعيد الضربات على إيران تشكيل مسار الصراع في اليمن
الثلاثاء - 17 يونيو 2025 - 08:25 م
أحداث العالم ـ متابعات
تشكل الضربات الأخيرة، التي تنفذها دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد إيران، والرد الإيراني، منعطفا كبيرا وربما حاسما في مسار الصراع الإقليمي الذي اشتدت وتيرته منذ عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2024، خصوصا في حال استمرار تلك الضربات لمدة زمنية طويلة، وتمكُّن إسرائيل من تدمير البنية التحتية للبرنامج النووي الإيراني ومصانع إنتاج الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة وغيرها.
فبعد انهيار أبرز أذرع المحور الإيراني، نظام بشار الأسد في سوريا وحزب الله اللبناني، ها هي إيران ذاتها تتعرض لأعنف هجوم عسكري منذ حربها مع العراق، وبدت عاجزة عن التصدي الفعال للضربات الإسرائيلية، بينما ضرباتها ضد إسرائيل لا توازي ما تتكبده هي من خسائر، وسط غياب أذرعها الإقليمية التي ظلت تنفق عليها بسخاء وتدربها وتجهزها بالمال والسلاح استعدادا لمثل هذا اليوم، باستثناء مشاركة باهتة لمليشيا الحوثيين تعكس عدم قدرتها على المشاركة في حرب تفوق قدراتها.
ومع كل تصعيد إقليمي جديد يرتبط بإيران ومحورها في المنطقة، تتجه أنظار اليمنيين إلى تطورات ذلك التصعيد وتردد صداه في اليمن، البلد الذي أصبح يمثل في السنوات الأخيرة ساحة اختبار ميداني للنفوذ الإيراني في الإقليم، ومنصة تهديد للملاحة الدولية، وساحة ابتزاز إستراتيجي يمكن لطهران أن تشعلها حسب إيقاع التصعيد وطبيعة المواجهات.
وبعد انهيار أبرز حلفاء إيران، برزت مليشيا الحوثيين كأهم أدواتها الإقليمية، وبقيت الفاعل الوحيد من بين أذرع طهران بإطلاقها صواريخ باليستية وطائرات مسيرة باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة بزعم إسناد قطاع غزة ضد العدوان الصهيوني.
كما كانت الأكثر تهورا من بين أذرع إيران سواء في استهداف دولة الاحتلال أو تهديد الملاحة في البحر الأحمر بعد عملية "طوفان الأقصى"، ساعدها على الاستمرار في ذلك الطبيعة الجغرافية المعقدة في المحافظات التي تسيطر عليها، وغموض الأهداف العسكرية التي يمكن لإسرائيل ضربها، بالإضافة إلى الحسابات السياسية لقوى إقليمية ودولية لا تريد القضاء عليها.
- هل تقترب خطوط النار من اليمن؟
أعلنت مليشيا الحوثيين، يوم الأحد، 15 يونيو الجاري، إطلاق عدة صواريخ باليستية باتجاه فلسطين المحتلة بالتزامن مع ضربات إيرانية، في إشارة إلى مساندتها لطهران ضد الكيان الصهيوني، في موقف مغاير لمواقف بقية أذرع إيران في الإقليم التي لم تعلن مساندتها لطهران، بل كان حزب الله اللبناني الأكثر وضوحا في إعلانه أنه لن يشارك إلى جانب إيران في ضرب إسرائيل.
ومع اشتداد الضربات الإسرائيلية، تسود مخاوف كبيرة في أوساط إيران ووكلائها من أن يتطور الصراع، خصوصا أن كل رد إيراني سيتبعه رد إسرائيلي أقوى، والقلق من مشاركة الولايات المتحدة بشكل علني وفعال في ضرب المنشآت النووية الإيرانية، خصوصا أنها لديها أسلحة قادرة على اختراق التحصينات تحت الأرض وتدمير البرنامج النووي الإيراني تماما، وهي أسلحة لا تتوفر لدى إسرائيل.
ورغم حدة الضربات الإسرائيلية وما خلفته من خسائر، ما زال الرد الإيراني يبدو في حده الأدنى، وربما أن ذلك يعكس ما تسميه طهران سياسة "الصبر الإستراتيجي" رغم أن الواقع يتجاوز ذلك، فقد أثبتت تطورات الصراع منذ عملية "طوفان الأقصى" وحتى اليوم أن رهانات إيران على جعل التصعيد في حده الأدنى كي لا تتضرر منشآتها النووية وكسب الوقت كانت رهانات فاشلة، فقد انهارت أقوى أذرعها تباعا دون أن تتجرأ طهران على مساندتها عسكريا خشية من أن تلتهم حرائق الحرب أراضيها ومنشآتها العسكرية والمدنية، وهو ما بدأ يحدث حاليا بالفعل.
ولو أن إيران كانت قد خاضت المعركة بشكل استباقي وبكل جدية هي وأذرعها بالتزامن، ضمن ما تسميه "وحدة الساحات"، لربما كانت النتيجة مختلفة نوعا ما اليوم، بخلاف سياسة "الصبر الإستراتيجي" التي تنتهجها إيران ثم اتضح سوء تقديرها، ومع ذلك فالمشهد مفتوح على كل الاحتمالات في حال بدا لإيران وأذرعها أن الأمور ستمضي إلى غير رجعة، وأن هناك جدية إسرائيلية بدعم أمريكي للمضي في تدمير المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية، وصولا إلى إسقاط نظام الملالي نفسه.
ففي حال وصلت الأمور إلى نقطة اللاعودة، ستضطر طهران إلى تحريك من بقي من أذرعها إن أمكن ذلك، على أمل تخفيف الضغط عليها، وابتزاز دول المنطقة والمجتمع الدولي من خلال إغلاق مضيقي هرمز وباب المندب، واستهداف القواعد أو المصالح الأمريكية في بعض دول الخليج، بل واستهداف المنشآت النفطية في السعودية وغيرها، لإحداث شلل وارتباك في الاقتصاد العالمي.
وفي حال حصل ذلك فإنه قد يدفع الولايات المتحدة ودولا غربية أخرى إلى المشاركة في الحرب ضد إيران وأذرعها بذريعة حماية مصادر الطاقة وتدفقها عبر المضائق البحرية، وهنا سينقل الحوثيون اليمن إلى خط النار بشكل كارثي تفوق نتائجه ما حدث خلال الأشهر الأخيرة من تدمير لما بقي من البنى التحتية خدمة لإيران تحت شعار مساندة قطاع غزة ضد العدوان الصهيوني.
أما في حال انهيار إيران سريعا، وحملت الأيام المقبلة تطورات غير متوقعة، فإن أذرعها، مليشيا الحوثيين والمليشيات العراقية وحزب الله اللبناني (إذا كان لديه القدرة على ضرب دولة الاحتلال)، لن تغامر في خوض معركة ستكون انتحارا عسكريا بامتياز بعد انهيار المركز في طهران، وستفضل الانكفاء على الذات والحفاظ على ما بقي من قوتها ونفوذها لتعزيز وضعها الداخلي، بعد أن يذهلها ما تعرضت له إيران من حرائق ودمار.
- كيف سيتأثر الوضع في اليمن؟
سواء تم تدمير البرنامج النووي الإيراني وإسقاط نظام الولي الفقيه أم لا، سيظل اليمن حالة معقدة وعصية على الحل. فبالرغم من أن مليشيا الحوثيين تستند إلى الدعم العسكري الإيراني، ولولا ذلك الدعم لما تعاظمت قوتها العسكرية قياسا بما كانت عليه قبل الانقلاب على السلطة الشرعية، فإن انقطاع ذلك الدعم، إذا افترضنا انهيار إيران تحت وطأة الضربات الإسرائيلية، لن يؤثر تأثيرا كبيرا على الوضع في اليمن، لأن الشأن اليمني لم يعد ضمن معادلة الصراع مع إيران فقط، وإنما تداخلت فيه أطماع ومؤامرات إقليمية وحسابات دولية متناقضة.
صحيح أنه في حال خروج إيران من معادلة النفوذ في الشرق الأوسط، إذا تطورت الحرب وأفقدتها مصادر قوتها، ستنكشف مليشيا الحوثيين إستراتيجيا بعد أن تفقد الداعم الأبرز في التكنولوجيا والسلاح، في ظل تعمق عزلة إيران وتداعيات ما ستتعرض له من ضربات على وكلائها، إلا أن ذلك لا يعني انتهاء مستقبل الحوثيين السياسي والعسكري، لأن التحالف السعودي الإماراتي سيظل غارقا في مكائده ضد اليمن، وسيظل يكرر الأخطاء، ويمنح الحوثيين الفرص تلو الفرص لعسكرة المجتمع وترسيخ نفوذهم في المحافظات التي يسيطرون عليها.كما أن طريقة التحالف السعودي الإماراتي في إدارة الصراع في اليمن خدمت الحوثيين وإيران وقدمت للمحور الإيراني مكاسب مجانية لم يكن يتوقع الحصول عليها، ومثلت المصالحة السعودية الإيرانية، عام 2023، انتكاسة كبيرة للملف اليمني بعد انتقاله إلى سوق الصفقات السياسية، فالمصالحة لم تكن نابعة من رؤية إستراتيجية مستقرة، بقدر ما كانت تعبيرا عن عجز تكتيكي في التصدي لتهديد غير تقليدي.
ويتمثل ذلك التهديد في الطائرات المسيرة الإيرانية التي اخترقت المجال الجوي السعودي بسهولة انطلاقا من مناطق سيطرة الحوثيين، واستهدفت منشآت حيوية كمصفاة بقيق وميناء رأس تنورة، مما كشف الهشاشة الأمنية للمملكة ودفعها إلى خيار "خفض التصعيد" بدلا من المواجهة، وترك مناطق سيطرة الحوثيين مسرحا لنفوذ طهران التي حولتها إلى قاعدة عسكرية متقدمة.
وبقدر ما قدمت طهران الدعم لمليشيا الحوثيين بالسلاح، فقد كان تردد التحالف في حسم المعركة يمنح الحوثيين وقتا إضافيا وفرصا ثمينة لإعادة التموضع والتوسع وترسيخ النفوذ، حتى أصبحوا سلطة أمر واقع تفرض سطوتها على معظم مساحات شمالي اليمن وسواحله.
- وضع مريح للسعودية
والسؤال الذي يُطرح الآن: ماذا لو انهارت إيران فعلا تحت وطأة القصف الإسرائيلي في حال توسعت الحرب وطال أمدها أو شاركت فيها واشنطن؟ من الطبيعي أن يتبادر إلى الأذهان أن هذا يعني نهاية سريعة للحوثيين، لكن الواقع أعقد من ذلك، فالمعادلة لا تحكمها فقط علاقة الحوثيين بإيران، بل شبكة مصالح إقليمية.
ووفقا للمعطيات الراهنة وسياسة السعودية في اليمن، فإن إيران إذا انهارت فلن يدفع ذلك السعودية بالضرورة إلى تصفية مليشيا الحوثيين وتحريك مختلف المكونات اليمنية في معركة الحسم، بل على العكس، قد ترى السعودية في انهيار إيران فرصة لتثبيت "وضع مريح" في شمال اليمن، حيث وجود الحوثي الضعيف، المنزوع المخالب والواقف في العراء، الذي قد يشكل حائط صد في وجه قوى يمنية أخرى لا تقل عنه إزعاجا للرياض، فضلا عن استخدام "الحوثي الضعيف" كذريعة لإنهاك اليمن وتفتيته لأطول مدة زمنية ممكنة، والاطمئنان بأن الحوثي لم يعد يشكل خطرا على المملكة.
لكن على الجانب الآخر، فإن غياب الغطاء الإيراني عن الحوثيين، وتعرضهم لضربات موجعة من قوى إقليمية ودولية (إسرائيل والولايات المتحدة)، قد يفتح الباب أمام تحولات كبيرة داخل اليمن، إذ يمكن أن يشجع ذلك قوى محلية على الثورة ضد سلطة الحوثيين، خصوصا في حال باتت خسائرهم واضحة ومصادر قوتهم تتآكل.
وفي ظل هذا المشهد المضطرب، تظل اليمن الساحة الأكثر هشاشة، والأكثر قابلية للاشتعال من جديد، في وقت لم يعد فيه أحد مستعدا لدفع تكلفة حرب شاملة، ولا قادرا على تحمل تبعات بقاء مليشيا مسلحة تُدار عن بعد، أو تُترك عمدا كأداة ضغط مستقبلية