أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، السبت، أن بلاده حققت "النصر" بعد خطوة رمزية تمثلت في إلقاء مقاتلي حزب العمال الكردستاني (PKK) أسلحتهم. وفي تصريحاته، قال أردوغان: "لقد انتصرت تركيا، انتصر ستة وثمانون مليون مواطن"، مضيفاً: "نحن نعرف ما نقوم به، فلا داعي للقلق أو التساؤل. كل ما نفعله هو من أجل تركيا ومستقبلها".
وجرت عملية تسليم السلاح، يوم الجمعة، في إقليم كردستان العراق، في خطوة وُصفت بأنها محطة مفصلية في مسار تحول حزب العمال الكردستاني من العمل المسلح إلى الانخراط في الحياة السياسية والديمقراطية.
وأفادت وكالة الأناضول أن أردوغان، أعرب عن أمله بأن تمثّل خطوة تخلي الحزب عن السلاح بداية جديدة نحو تحقيق هدف "تركيا خالية من الإرهاب".
جاء ذلك في كلمة ألقاها الرئيس التركي خلال اجتماع استشاري لحزب العدالة والتنمية الحاكم في العاصمة أنقرة، حيث تحدث عن بدء الحزب عملية إلقاء السلاح، بحسب الوكالة.
وأكد أردوغان خلال كلمته أن بلاده ستصبح "أقوى وأكثر ثقة بنفسها من ذي قبل مع انتهاء الإرهاب".

كما نقلت الأناضول عن أردوغان قوله في منشور عبر حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي: "نسأل الله أن يوفقنا لتحقيق أهدافنا لضمان أمن وطننا وطمأنينة شعبنا، وإرساء السلام الدائم في منطقتنا".
خطوة "تاريخية"

وكانت مجموعة من مقاتلي حزب العمال الكردستاني قد أقدمت على خطوة وصفتها بـ"التاريخية" لإلقاء السلاح، "إيذاناً بإنهاء النشاط المسلح"، وضمن عملية يبدأ فيها الحزب حقبة جديدة ترتكز على "استخدام السياسة الديمقراطية للدفاع عن حقوق الأقلية الكردية"، بعد حرب مع السلطات التركية دامت واحداً وأربعين عاماً.
وفي الخطوة التي وصفت أيضاً بـ"الرمزية"، أقيم حفل في كهف في جبال كردستان العراق، شهد قيام ثلاثين مقاتلاً كردياً بتدمير عدد من الأسلحة، في مكان لم يُكشف عنه لأسباب أمنية.
ووفقاً لما نقلته وسائل إعلام عراقية، فإن المجموعة المسماة بمقاتلي الحرية قالت إن تسليم السلاح جاء استجابة لنداء أطلقه - قبل نحو شهرين - زعيم الحزب عبد الله أوجلان، السجين منذ عام 1999.
وطالبت المجموعة بالحرية لأوجلان وإيجاد حل سياسي للقضية الكردية، نقلت رويترز عن مسؤول تركي كبير قوله إن تسليم الأسلحة هو جزء من المرحلة الثالثة من خمس مراحل في عملية السلام الأوسع، والتي تُركز على نزع سلاح حزب العمال الكردستاني وحلّه.
وبينما لم يتضح بعد ماذا ستقدم أنقرة لمقاتلي حزب العمال الكردستاني مقابل تخليهم عن سلاحهم، نتساءل بالتالي عن الموقف الحالي لكل طرف، وأبرز السيناريوهات المتوقعة في المستقبل؟
إلقاء "رمزيّ" للسلاح
في المقطع المسجل في يونيو/حزيران الماضي، لفت أوجلان إلى أنه حالياً "يُجرى تشكيل لجنة داخل البرلمان التركي من أجل نزع السلاح بشكل طوعي وفي إطار قانوني، وهذا أمر بالغ الأهمية. ومن الضروري أن تكون الخطوات المتخذة حساسة وبعيدة عن المنطق الضيق".
وتابع الرجل البالغ 76 عاماً، "أرى في هذه الخطوة بادرة حسن نية وأؤمن بها. ويكمن إيماني بالسياسة وسلام المجتمع لا بالسلاح، أدعوكم لتطبيق هذا المبدأ".
وظهر أوجلان، جالساً بقميص رمليّ "باللون البيج" وأمامه كوب من الماء على طاولة، وبدا وكأنه يقرأ من نص مكتوبٍ في الفيديو الذي تبلغ مدته سبع دقائق، وهو أول تسجيل علنيّ مصوَّر له أو لصوته منذ اعتقاله.
وكان يجلس بجانبه ستة آخرون من أعضاء حزب العمال المسجونين، وجميعهم ينظرون مباشرة إلى الكاميرا.
ورأى مدير المركز الكردي للدراسات، نواف خليل، أن توقيت دعوة أوجلان "ليس مفاجئاً" بل "مرتبط بمجمل التطورات التي حدثت في الشرق الأوسط وتحديداً بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ووصول ترامب والحديث الواضح عن شرق أوسط جديد".
وأضاف في حديثه لبي بي سي، أن القيادة التركية "وصلت إلى قناعة عن عملية الإنكار التي طالت الأكراد منذ التوقيع على معاهدة لوزان 1923، بأنها لم تعد مجدية".
وأشار خليل إلى أن قرار حل حزب العمل "اتُخِذ بالإجماع"، لافتاً إلى أنه "سيؤدي إلى تقوية مسار السلام وصولاً إلى حل القضية الكردية".
ورأى أن حزب العمال "سيكون ملتزماً" بقراره وهو "أوفى بكل تعهداته وبشكل قاطع وواضح" على حد وصفه، لكنه قال إن "أي إخلال من الدولة التركية" بالاتفاق "سيكون سلبياً وستعاد المسألة إلى نقطة صفر وهذا لا يصب في مصلحة الطرفين".
لكن المحلل السياسي التركي، يوسف كاتب أوغلو، رأى أن تعهد حزب العمال بإلقاء سلاحه "ليس المأمول فقط" بل "المأمول والمطلوب أن يكون هناك جدية وحسن النوايا في تنفيذ ما تم التعهد به، التعهد شيء وتنفيذه شيء آخر".
وقال أوغلو لبي بي سي، إن الحكومة التركية "تنتظر ألا يكون إلقاء السلاح صورياً وأن يكون تعهداً حقيقياً ومضموناً فعلياً وليس لفئة معينة وبسيطة"، موضحاً: "يجب أن يكون شمولياً ولا يقتصر فقط على حزب العمال الكردستاني في تركيا بل يشمل أذرعه في شمال العراق وسوريا".
أوغلو تحدث عن "تحديات" تقف أمام إتمام عملية السلام بين حزب العمال والحكومة التركية، مشيراً إلى "وجود فرق وأذرع في حزب العمال ما تزال مترددة في تنفيذ هذا الاتفاق" لكن أوجلان "الشخص الوحيد الذي يستطيع إقناع هذه الفصائل بضرورة الالتزام وتنفيذ الاتفاق"، على حد تعبيره.
رأى أن هناك "مماطلة" من حزب العمال وفروعه في تنفيذ الاتفاق وهو ما "يشكل تحدياً آخر" ما يجعل الحكومة التركية "منزعجة وتشكك في صدق هذه النوايا"، وقال أوغلو إن "الإسراع في تنفيذ الاتفاق هو من أهم المطالب التركية".
وإذا نفّذ الاتفاق على الأرض "ستتعهد تركيا بإيقاف العمليات العسكرية ضد الحزب خصوصاً في شمال العراق"، وفق أوغلو، وأوضح أن أنقرة "حريصة على تنفيذ التزاماتها في هذه المرحلة لأنها تريد أن تصل إلى ما يسمى دولة خالية من الإرهاب".
وقال إن تركيا "الضامن الحقيقي لتحقيق السلام"، لافتاً إلى أنه بالنسبة لتركيا "لا يزال هناك يد على الزناد لكن هناك يد ممدودة على الطاولة".

ورأى خليل، أن عملية إلقاء السلاح ستكون "رمزية"، على أن يعمل البرلمان التركي بعدها لـ"تهيئة الأرضية القانونية والأجواء، وصولاً إلى وضع السلاح بشكل كامل" من قبل الحزب.
في غضون ذلك، قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن بلاده لن تسمح بأي محاولة لتخريب عملية تخلي حزب العمال عن سلاحه، معرباً عن أمله في إتمام العملية في أقرب وقت ممكن.
وفي حديثه أمام أعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم في البرلمان، قال أردوغان إنه من المتوقع حدوث تطورات إيجابية في الأيام المقبلة.
أوجلان شدد في الشريط المصور، على أن "حزب العمال الكردستاني قد تخلّى عن هدف بناء الدولة القومية، وبالتالي تخلّى عن استراتيجية الحرب"، وأنه "في المرحلة التاريخية الراهنة هناك آمال بتحقيق مزيد من التقدم".
عقود من التمرد
وكان حزب العمال، المحظور، أعلن في 12 مايو/أيار الماضي، حلَّ نفسه وإلقاء السلاح، منهياً بذلك عقوداً من التمرّد ضد الدولة التركية، خلّف ما لا يقلّ عن 40 ألف قتيل، وتسبب لفترة طويلة في توتر علاقات السلطات التركية مع الأقلية الكردية والدول المجاورة.
وبدأ حزب العمال الكردستاني حملته المسلحة عام 1984، وكان هدفه في الأصل إقامة دولة كردية مستقلة.
وجاء ذلك، تلبية لدعوة أطلقها أوجلان في 27 فبراير/شباط، من سجنه في جزيرة إيمرالي قبالة إسطنبول، حضّ فيها مقاتلي الحزب على إلقاء السلاح وحلّ الحزب. وفي الأول من مارس/آذار، أعلن الحزب وقف إطلاق النار.
وقبل دعوة أوجلان، كانت السنوات القليلة السابقة تشهد تصعيداً عسكرياً متواصلاً بين الحزب والقوات التركية، خصوصاً في شمال العراق وشمال شرق سوريا.
وأمضى معظم مقاتلي الحزب السنوات العشر الماضية في مناطق جبلية في شمال العراق، حيث تقيم تركيا منذ 25 عاماً قواعد عسكرية لمواجهتهم، وشنّت بانتظام عمليات برية وجوية ضدّهم.
لكن أردوغان، أكد في وقت سابق من هذا الشهر، أنّ جهود السلام مع الأكراد ستكتسب زخماً مع بدء مقاتلي حزب العمال بإلقاء أسلحتهم.
وقبل ذلك، اتهم حزب العمال تركيا بعدم تنفيذ المطلوب منها، بعد التعهد بإلقاء السلاح. وقال مصطفى كارازو، أحد مؤسسي حزب العمال الكردستاني لقناة ميديا خبر القريبة من الحزب، "نحن جاهزون، لكن الحكومة التركية لم تتخذ الإجراءات الضرورية" لإنجاز العملية.
والاثنين، التقى أردوغان وفداً من حزب المساواة وديمقراطية الشعوب المؤيد للأكراد، وذلك للتباحث في الخطوات التالية بعد موافقة مسلحي حزب العمال الكردستاني على وضع حدّ لتمرّدهم.
وحزب المساواة وديمقراطية الشعوب هو ثالث أكبر فصيل سياسي في تركيا، وقد اضطلع بدور رئيسي في الوساطة بين أنقرة وأوجلان.
وقبل لقاء أردوغان، زار وفد من حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، أوجلان في سجنه. وقال أوغلو إن هذه اللقاءات "تدل على جدية أنقرة".

ما مصير أوجلان؟
أوجلان، المولود عام 1949 في شانلي أورفا، جنوب شرق تركيا، أصبح عضواً مؤسساً لحزب العمال الكردستاني في أوائل الثلاثينيات من عمره.
ودرس أوجلان، الملقب بـ"أبو" (وتعني "العم" بالكردية)، العلومَ السياسيةَ في جامعة أنقرة، حيث تبنّى الماركسية وبدأ بتشكيل الحركات الطلابية.
في عام 1973، شارك في اجتماع أسس حزب العمال الكردستاني، حيث بدأ التخطيط لتأسيس دولة كردية مستقلة.
وقاد الحزب إلى صراع مسلح بعد ذلك بفترة قصيرة، وأطلق تمرداً انفصالياً في عام 1984، بهدف إقامة دولة كردية في جنوب شرق تركيا، إلى أن اعتقل في عام 1999، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة.
وكان حزب العمال دعا، تركيا، إلى تخفيف ظروف احتجاز زعيمه أوجلان، خصوصاً كونه "المفاوض الرئيسي" في محادثات السلام المأمول إجراؤها مع أنقرة بعد قرار الحزب إلقاء السلاح. ولاحقاً عبّر كارازو، أحد كبار مسؤولي الحزب، عن أسفه لعدم تحسن ظروف اعتقال أوجلان.
مدير المركز الكردي للدراسات، نواف خليل، قال لبي بي سي، إن عملية إطلاق سراح أوجلان متعلّقة بحل القضية الكردية.
وأوضح: "لو أن تركيا غيّرت الدستور المستمد من معاهدة لوزان واعترفت بالقضية الكردية وهي تتفاوض الآن مع أوجلان كممثل للشعب الكردي، حينها ستتحول إلى دولة ديمقراطية".
وأضاف خليل أنه "ليس من المعقول" أن تتفاوض أنقرة مع أوجلان و"تبقيه في السجن إلى الأبد".
وقال المحلل السياسي التركي، يوسف كاتب أوغلو، إن موضوع الإفراج عن أوجلان "شائك"؛ لأن الأخير مسؤول عن تنظيم تصنفه أنقرة بـ"الإرهابي" وتحمّله مسؤولية عشرات القتلى.
ويُذكر أن مقاتلي حزب العمال الكردستاني لطالما اتخذوا من جبال قنديل الوعرة بإقليم كردستان العراق مقراً لهم منذ مطلع الثمانينيات، فيما تعرضت مقراتهم مراراً لقصف تركي.
ويُصنَّف حزب العمال الكردستاني جماعة إرهابية لدى تركيا وكذلك لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا.
ومنذ تأسيس الحزب في أواخر السبعينيات، كان مقاتلوه يطالبون بوطن مستقل للأكراد في تركيا؛ حيث يشكلون نحو 20 في المئة من السكان، قبل تخفيض مطالبهم لاحقاً للتركيز على الحصول على الحكم الذاتي.