مجزرة العطشى في النصيرات ضحاياها غالبيتهم أطفال ومسلسل القتل متواصل
الأحد - 13 يوليو 2025 - 04:11 م
أحداث العالم المركز الفلسطيني للاعلام
لا يكاد المرء من فرط المجازر والمذابح التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة يدركها، بل لعله وقع في فخ سرد أعداد الشهداء والجرحى والمفقودين وأكنهم مجرد أرقام من هول الأحداث المتسارعة بين لحظة وما يليها.
لكن بعض المشاهد لا يمكن للمرء أن يتخطاها مهما تزاحمت الأحداث وتعاظمت، فتبقى تطحن روحه، ويعيد دماغه سرد تفاصيلها واسترجاع صورها، حتى ترى الواحد منا أسيرها، ولعل مجزرة العطشى التي وقعت في منطقة المخيم الجديد شمال غرب مخيم النصيرات وسط قطاع غزة صباح يوم الأحد 13/7/2025 واحدة من تلك الأحداث.
10 شهداء 7 منهم أطفال وأكثر من 17 جريحاً أكثر من نصفهم من الأطفال أيضاً، كانوا حصيلة مجزرة مروعة استهدفتهم بينما كانوا يصطفون في طابور صباحي طويل للحصول على الماء الصالح للشرب من نقطة تعبئة مياه وفرتها مؤسسة خيرية عاملة في المنطقة.
وبينما شرع القائمون بتعبئة جالونات المياه للمصطفين العطشى وغالبهم من الأطفال، باغتتهم مسيرة صهيونية بإطلاق صاروخ استهدفهم مباشرة، ما أدى إلى وقوع هذه المجزرة المروعة التي أفرزت صورا قاسية، لا تختلف كثيرا عن آلاف الصور التي خرجت من قطاع غزة على مدار ما يقرب من عامين استمرت فيهما الإبادة الجماعية بحق غزة وأهلها.
“سراج” عاد محمولا
“سراج إبراهيم” طفل لم يتجاوز من العمر 9 سنين، خرج صباح ذلك اليوم من منزل عائلته، يحمل جالون المياه فارغا، قاصداً نقطة توزيع المياه بالقرب من جمعية آفاق، آملاً أن ينجح في تعبئته بالماء الصالح للشرب، عله يطفئ عطشه وعطش إخوانه وعائلته.
ذهب “سراج” لكنه لم يعد حاملاً قالون المياه الثقيل، الذي لا يناسب حمله عمره الصغير ولا جسده الضعيف، بل عاد محمولاً جثة هامدة ليكون اسماً إضافياً في قائمة الأطفال الذين قتلتهم “إسرائيل” وجيشها في قطاع غزة والذين قارب عددهم 20 ألف طفل.
“سراج” وستة أطفال آخرين كانوا ضحية هذا الصاروخ الذي لم يكن يهدف إلا للقتل والقتل فقط، القتل من أجل القتل، وليس هناك أي تفسير آخر لما حدث، مهما بحثنا، فلا وجود لمقاتلين ولا مسلحين ولا عناصر يريد الاحتلال اغتيالها، ولكنه بالفعل أراد اغتيال الطفولة المتعبة المرهقة بفعل حرب الإبادة، قتل من يمكن أن يكونوا مستقبل غزة وأملها المتجدد.
رواية من دم
“أبو محمد” ستيني ذهب صباحاً يحمل ما يملك من جالونات المياه، آملاً في تعبئتها بالمياه الصالحة للشرب له ولعائلته، نجا من الإصابة أو القتل بأعجوبة.
“وضعت الجالونات وصففتها في الطابور، وتراجعت قليلاً للوراء لأتحدث مع صديق لي قابلته مصادفة ، ابتعدنا قليلاً عن نقطة المياه، وآخذنا نتحدث ويسأل أحدنا الآخر عن أحواله، قبل أن يقع الانفجار ويتحول المكان إلى ساحة حرب، عشرات الأطفال ملقون على الأرض شهداء وجرحى، وصرخات المصابين وأناتهم تملأ المكان”، يقول الحاج “أبو محمد”.
تسمر أبو محمد في مكانه من هول الصدمة، كما يصف حاله حينها لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام”، وبعدها بثوان انطلق محاولاً إنقاذ من يستطيع إنقاذه خاصة من الأطفال، فوجد عدداً من أطفال جيرانه شهداء
أنا أعرف غالبية الشهداء الأطفال، فجميعهم من أبناء جيراني، ما ذنبهم ليرحلوا بهذه الطريقة البشعة؟ ما ذنبهم ليقتلوا بهذه الصواريخ الفتاكة؟، ما ذنبهم ليرحلوا عطشى قبل أن يشربوا شربة ماء تروي عطشهم؟”، يتساءل والدموع تملأ عينيه وصوت الحشرجة يغلب صوته.
الأطفال ضحية الإبادة
وليس غريباً أن يكون الأطفال هم الضحايا الأكثر عدداً في هذه المجزرة، فهذا هو الدارج في كل المجازر والجرائم التي يرتكبها الاحتلال على مدار حرب الإبادة الجماعية المتواصلة في قطاع غزة منذ قرابة العامين.
فوفق معطيات رسمية نشرتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف”، فإن 27 طفلا يقتلون يوميا في قطاع غزة منذ بداية الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023، مؤكدة أنه لا يوجد أي تفسير للإسراف في القتل الذي يشهده قطاع غزة.
ووفقا لإحصاءات رسمية نشرها المكتب الإعلامي الحكومي بالتعاون مع منظمة “يونيسيف” ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا”، فقد استشهد أكثر من 18 ألف طفل منذ بدء العدوان على غزة.
وتكشف الأرقام أن 322 طفلا استُشهدوا خلال 10 أيام فقط بعد انهيار التهدئة ووقف إطلاق النار، بينما قُتل 130 طفلا في يوم واحد (18 مارس/آذار الماضي) في أعنف حصيلة يومية للأطفال منذ اندلاع الحرب.
وتُبيّن المعطيات أن أكثر من مليون طفل في غزة باتوا بحاجة ماسة إلى دعم نفسي، في ظل صدمات متراكمة ناجمة عن الفقد والدمار والتهجير القسري المتكرر.
ويعيش نحو 17 ألف طفل في غزة اليوم دون ذويهم، بعضهم فقد أسرته بالكامل، وآخرون فُصلوا عن آبائهم وأمهاتهم تحت القصف أو في رحلات النزوح القسرية، مما يرفع عدد الأيتام والمنفصلين إلى مستويات غير مسبوقة